كلما ازداد الصمت الدولي إزاء ما يجري في سورية ارتفع منسوب القتل والدمار، وكلما طال أمد الثورة ضاقت المخارج وتمادى العنف واستعرت العسكرة وازداد الشرخ الوطني وتصدع الجسد المعارض من كثرة الاجتهادات الناتجة عن الإحساس بالعجز لعدم الاستجابة الدولية وتأخر الحسم، كل هذا قد يمهد للدخول في رحاب المساومات لتأمين حل لا يناسب حجم الطموح ولا حجم التضحيات المدفوعة في سبيل بناء دولة الحرية والكرامة.

Ad

هذه النتائج يعيها النظام السوري جيداً، وهو عمل ويعمل على إطالة أمد "دائرة العنف" لأنه مدرك تماماً لما ستؤول إليه الأمور باعتباره نظاماً غير مرفوض بالمطلق دولياً رغم التصريحات الدولية الجوفاء تجاهه، لأنه غارق بالمشاريع الخارجية حتى أذنيه، حتى إننا لم نجد له قصاصة وطنية تبرئ حتى جانباً من سلوكه غير الوطني غير أنه كان بلا شك لاعباً ماهراً في شبك الخيوط الدولية وتحقيق المصالح الخارجية وحراستها، لذلك نرى الشرق والغرب غير مكترثين جدياً لما يحدث كمكافأة له على خدماته.

وعلى الجانب الآخر، لم يعد خافياً أن هذا الصمت- بل حالة "الطناش" الدولية- تجاه الثورة السورية يخفي خلفه نوايا غير حسنة سيتم فرضها بعد تهيئة الأرضية المناسبة لها.

وحسب ما تسرب منها، فإن إزالة رأس النظام دون الجسد مع ضمان مرور آمن له، إضافة إلى تركيب خلطة مناسبة من النظام والمعارضة لتقود المرحلة الانتقالية، مع إمكان دمج الجيش الحر بالمؤسسة العسكرية هي أهم بنود الخطة. وما مهمة الإبراهيمي الأممية إلا محاولة لتسويقها باعتبار أن الصمت الحالي تجاه حرب الإبادة الأسدية هو بمنزلة الأرضية المهيأة لإنجازها.

ناهيك عن تضييق الإمدادات للثوار، وهذا يسهل الحل بأنصاف الحلول لعدم توافر إمكانية الفوز الحاسم لأحد الطرفين، وما الدعوات الدولية لعقد مؤتمر دولي لترتيب البيت السوري ما بعد سقوط الأسد إلا الخطوة المتممة لهذا المشروع الأممي، وطبعاً التسريبات تشير إلى قبول روسي وإيراني وصيني هذه الخطة.

الخلاف الأميركي الإسرائيلي أخيراً نتيجة التسريبات الصحافية عن تطمينات أميركية لإيران بالحياد تجاه الهجوم الإسرائيلي المتوقع على إيران مقابل عدم استهدافها للمصالح الأميركية بالخليج، في وقت تؤكد فيه الأخبار أن أوباما في حال فوزه برئاسة ثانية سيتجه إلى عقد صفقة مع إيران بشأن برنامجها النووي تشمل الوضع السوري، وهذا يؤكد أن الرغبة الدولية تفاوضية الطابع وأن الإبراهيمي عرابها.

ندرك مسبقاً حجم التآمر الدولي على حرية الشعب السوري لأن نجاح ثورته ستقلب بالطبع كثيراً من المعادلات الإقليمية والدولية في المنطقة، لكننا ندرك أكثر أن إرادة الشعوب ليست عروض أسعار للمساومات وليست سلعة قابلة للعرض والطلب، وأن مساحة الفعل على الأرض هي التي تحدد إطار الحل ونسبة التغيير فيه... والثوار على الأرض يمسكون بقوة بناصية القرار، لكن هذا لا يعني أن الحلول مرفوضة، وأن الدم وسيلة للحل.

لكن أي مشروع وأي خطة لا تتضمن رحيل النظام ومحاسبة المجرمين لن تجد القبول لا على الأرض ولا على غيرها، فالشعب الذي صمد طول الشهور الماضية أمام آلة القتل والدمار التي لا مثيل لها بالتاريخ لا يمكنه التفريط بتضحياته إكراماً للمصالح الدولية والنزعات الطائفية والمشاريع الهلالية التي لم تحقق سوى المزيد من التفكك لهذه الأمة وإضعاف الأمن القومي العربي.