التقيت ببعض الزملاء من الخليج والشرق الأدنى والغرب في جامعة كيمبردج قبل عدة أيام، وبدعوة كريمة من الرجل الذي يسعى إلى جمع مفكري المنطقة العربية بالعالم الدكتور عبدالعزيز بن صقر, واستمتعنا بالافتتاح بحديث فريد من نوعه للأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبداللطيف الزياني، والذي كشف النقاب من خلاله عن مراحل دبلوماسية التفاوض والحوار بين اليمن ومجلس التعاون للوصول إلى النموذج الحالي.

Ad

وهي المرة الأولى التي أستمع بها إلى مسؤول خليجي يتكلم عن آليات التفاوض بشكل علمي, بعدها انطلقت ورش العمل في أروقة كيمبردج في جميع الاتجاهات، أبرزها المرأة والطاقة والثقافة وغيرها من متغيرات العصر.

وعلى هامش ورش العمل دارت أحاديث كثيرة، وأكثر ما يستهوي الباحثين الإنكليز هو الحديث مع أهل المشرق عن الديمقراطية ومفاهيمها، وهل تصمم خصيصا لأهل المنطقة أم تستورد؟

لا شك أن مفاهيم الديمقراطية أحيانا ينتابها الغموض، بل تتسبب في تأخير فرص التحول الديمقراطي في منطقتنا, ولا يخفى على أحد الخوف على أداء المؤسسات التشريعية في ظل ازدياد قوى الشدّ والجذب باستخدام الأدوات التشريعية والإعلامية معا, والنتيجة هي المحصلة الصفرية من الإنتاجية التي أوصلتنا إليها الممارسات السياسية, لذلك فالمفهوم الخاص بالديمقراطية يبقى مجرد شعار.

وجاءت أحداث الربيع العربي لتلقي الضوء على آفاق جديدة لمفاهيم الديمقراطية في العالم العربي، الأمر الذي دفع البعض للبحث في احتمالات التناقض بين الديمقراطية والإسلام والترابط بين النماذج الديمقراطية والغرب.

فالديمقراطية حسب تعريف برهان غليون نتاج ثورة أخلاقية في مستوى القيم الاجتماعية، وثورة سياسية في رؤية المجتمعات لوجودها المشترك، وتشمل رؤية الفرد لدوره ومكانته في تقرير المصير.

ولن يختلف اثنان على أن الديمقراطية الكاملة اليوم تعتبر مسألة نسبية، والفريق "الفاعل سياسيا"، سواء من النواب أو الناشطين أو العناصر المؤثرة هو الذي يسعى بنجاح إلى إدارة أوجه الاختلاف بشكل سلمي في ظل المشاركة الفعالة لجميع المواطنين بلا استثناء في إبداء الآراء وعدم احتكارها!!

ولا شك أيضاً أن الممارسات الديمقراطية والسلوك السياسي أيضا مؤشرات على توازن القوى المحلية، فكلما كان النهج "ديمقراطياً" في اتخاذ القرارات العامة ازداد معدل الاستقرار.

فهناك حاجة إلى تجديد عملية الإدارة السياسية ودفعها نحو المزيد من التنفيذ، وترشيد العمل البرلماني ودفعه نحو المزيد من الاستقرار، فالديمقراطية منهج وطريقة وعملية لاتخاذ القرار، وإن كانت الممارسة الانتخابية ناقصة وذلك لغياب طابع قانوني للممارسة السياسية.

هناك حدود للديمقراطية ولكن المطلوب عدم جرها للحد الأدنى، وألا تهبط الممارسة السياسية إلى مستوى متدنٍّ، وإلا فقدت صفة الديمقراطية.