العالم بعد نوفمبر

نشر في 31-10-2012
آخر تحديث 31-10-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت في السادس من نوفمبر، إما أن يخرج باراك أوباما أو ميت رومني منتصراً بعد سباق انتخابي مرهق، لكي تتحرك الأمور من جديد على مدى السنوات الأربع القادمة، وعلى الجانب الآخر من العالم، وفي الثامن من نوفمبر، يجتمع أكثر من ألفين من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني في بكين، وبعد أسبوع تقريباً، سيخرج أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي وفقاً للتسلسل القيادي الهرمي، استعداداً لتولي مسؤولية الدولة النامية التي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة.

إن زعامات أكبر كيانين اقتصاديين على مستوى العالم تتغير الآن، وكذلك العالم ذاته، فالشرق الأوسط على وجه الخصوص يشهد لحظة من التحول الحاد، ورغم أن عمليات إعادة البناء- حرفياً ومجازياً- تبدأ الآن بالفعل في بعض أجزاء المنطقة، فإن دولاً مثل سورية تشتعل. وهناك دول أخرى، مثل إيران، وثورتها المحتضرة، لم يتوقف هديرها قط، فرغم اقتصادها المنهار، تظل إيران مولعة بالقتال، فتستخدم وكيلها اللبناني حزب الله لإطلاق طلعة واحدة ناجحة على الأقل لطائرة بدون طيار فوق إسرائيل، وتشن أخيراً هجمات إلكترونية كما أوردت بعض التقارير.

ونتيجة لهذا فإن العلاقات بين الجهات الفاعلة الإقليمية تظل متوترة إلى حد كبير، فبعد الخطاب الذي ألقاه أمام الأمم المتحدة مناشداً إياها وضع "خط أحمر" لا يتجاوزه البرنامج النووي الإيراني حتى ربيع أو صيف عام 2013، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة، وهو ما قد يمنحه صلاحيات قوية للتحرك ضد إيران. وفي الوقت نفسه، تتلمس مصر الطريق بحثاً عن التوازن، سواء على المستوى الداخلي بصياغة دستور جديد، أو فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.

ثم هناك تركيا التي تقع بين أوروبا والشرق الأوسط، فأخيراً تبادلت تركيا، صاحبة الاقتصاد الناشئ والتي تستعد للتحول إلى قوة إقليمية، تبادلت إطلاق النار مع جارتها إلى الجنوب سورية، ودعت حلفاءها في منظمة حلف شمال الأطلسي إلى تعزيز أمنها.

وكل هذا يشكل جزءاً من البانوراما المتغيرة التي سيرثها زعماء العالم في الشرق الأوسط، المنطقة التي تورطت فيها الولايات المتحدة إلى حد كبير. وبعد ما يقرب من عشرة أعوام من الاشتباك العسكري المستنزف للموارد، انتهت مهمة الولايات المتحدة القتالية في العراق في عام 2010، ومن المنتظر أن تنتهي مهمتها القتالية في أفغانستان في عام 2014.

وسيرث الرئيس الأميركي القادم أيضاً دولة ذات منظور جيوسياسي متغير بشكل ملحوظ، فقد بدأت التطورات والإبداعات التكنولوجية بتحويل الحلم القديم بالاستقلال في مجال الطاقة إلى واقع، ففي حين كان من المتصور في وقت سابق أن استخراج الاحتياطيات الأميركية الكبيرة من الغاز الطبيعي ليس مجدياً، فإن التكنولوجيات الجديدة مثل التكسير الهيدروليكي تبشر بثورة في صناعة استخراج الغاز الصخري (غاز حجر الإردواز).

بل إن الولايات المتحدة أصبحت على أعتاب تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، ففي العام الماضي، وللمرة الأولى منذ خمسة عشر عاما، كان أقل من نصف النفط المستهلك في الولايات المتحدة مستورداً. كما ارتفع النمو السنوي في إنتاج الغاز الصخري من 17% أثناء الفترة 2000- 2006 إلى 48% أثناء الفترة 2006- 2010. ومن المتوقع أن يشكل الغاز الصخري بحلول عام 2035 نحو نصف إجمالي إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة تقريباً.

ولن تكون تداعيات هذه الثورة اقتصادية فحسب، فعلى الصعيد السياسي، قد يسمح تقليص الاعتماد على النفط الأجنبي للولايات المتحدة بالتركيز على تحويل سياستها الخارجية باتجاه آسيا.

ولكن لن يكون زعيم الولايات المتحدة فقط هو من سيرث هذا العالم المتغير. فعبر المحيط الهادئ، ربما اقتربت أيام النمو الاقتصادي غير المسبوق في آسيا من نهايتها- علماً أن النمو الاقتصادي يشكل عنصراً أساسياً في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي هناك.

والواقع أن الأحداث في الصين في الأشهر الأخيرة كشفت عن قدر من عدم الارتياح في الداخل، فرغم أن المشاعر القومية الموجهة ضد أعداء خارجيين تميل إلى تحويل الانتباه عن الاضطرابات الداخلية، فإن المشاكل الداخلية الخطيرة التي تواجه البلاد تحتاج إلى علاج عاجل. فضلاً عن ذلك فإن اقتصاد الصين وسياساتها، التي تحولت إيديولوجيا في كل شيء باستثناء الاسم، لابد أن تتأقلم قريباً حتى يتسنى لها أن تتصدى لفجوة التفاوت الاجتماعي المتزايدة الاتساع.

وعلى الرغم من الرياح الاقتصادية العالمية المعاكسة، فمن المؤكد أن قادة الصين سيستمرون على تركيزهم على صيانة النمو وتعزيزه، من أجل انتشال المزيد من الصينيين من براثن الفقر وتجنب الاضطرابات الاجتماعية؛ ومن المؤكد أيضاً أنهم سيستمرون في مراقبة الشرق الأوسط الغني بالنفط، فبعد سنوات من الاعتماد على الوجود الأميركي في المنطقة، ربما يبادر زعماء الصين القادمين، الذين يمارسون لعبة الانتظار المفيدة، إلى تبني دور أكثر نشاطاً. ولأن سمعة الصين في المنطقة غير ملوثة بإرث استعماري، فقد يجدون أنفسهم في موقف متميز يسمح لهم بذلك.

ومن ناحية أخرى، يكافح الاتحاد الأوروبي شياطينه، فعلى الرغم من ضرورة تركيز الاتحاد الأوروبي على الداخل في حين يسعى إلى التغلب على الأزمة الاقتصادية العالمية، فلا ينبغي له أن يهمل جيرانه في الجنوب، ومن الأهمية بمكان أن يشترك مع منطقة البحر الأبيض المتوسط الجنوبية باعتبارها نقطة التقاء حرجة- بوصفها مكاناً للتعاون السياسي والاقتصادي وفي مجال الطاقة. وفي هذا الصدد، فإن الأداة الأعظم قيمة لدى الاتحاد الأوروبي تتلخص في طابعه المتميز، فهو نموذج حائز جائزة نوبل للحوار المتعدد الأطراف والقوة الناعمة.

وفي الجوار، يتعين على روسيا أيضاً أن تستجيب لأسباب الضعف الجديدة الناجمة عن الظروف العالمية المتغيرة، فالكرملين لا يزال مستمراً في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وبغضه الشديد للتدخل العسكري وسعيه إلى الدفاع عن مصالحه الاستراتيجية، بما في ذلك قاعدته البحيرة في المدينة السورية طرطوس. ولقد انعكس هذا الموقف بكل وضوح في استخدام حق النقض على نحو متكرر ضد أي قرار في مجلس الأمن يهدف إلى إنهاء الصراع الذي أسفر بالفعل عن وقوع عشرات الآلاف من الضحايا.

إن التقاعس عن العمل دولياً في التعامل مع المسألة السورية يشكل خبراً سيئاً ليس فقط بالنسبة إلى الشعب السوري؛ بل يعمل أيضاً على تآكل شرعية واحدة من أكثر المؤسسات المتعددة الأطراف أهمية على مستوى العالم. ولأن القضايا المتعلقة بإيران وسورية مترابطة بشكل وثيق، فإن الانقسام الداخلي بين الدول الأعضاء الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا) قد يكون شديد الضرر بالجهود الرامية إلى إيجاد حل لمسألة تخصيب اليورانيوم الإيراني. ولقد انعكس هذا في الجمود الحالي الذي نال من المحادثات بينهم (بالإضافة إلى ألمانيا) وبين إيران.

لقد أصبح الكثير على المحك، ومن الأهمية بمكان لهذا السبب أن نلاحق كل المسارات المحتملة التي قد تقودنا من خلال التفاوض إلى نتيجة إيجابية. وسواء كانت الشائعات الأخيرة عن محادثات ثنائية بين الولايات المتحدة وإيران صادقة أم لا، فإن مثل هذه المبادرات لابد أن تكون موضع ترحيب. وفي حين يظل اللاعبون الكبار مشغولين بالتغيرات الداخلية في بلادهم، فإن المنطقة تستمر في الغليان، والسؤال الرئيسي الآن هو ما إذا كان الزعماء الذين ننتظرهم في نوفمبر من مكافحي الحرائق أم أنهم هم من سيشعلها.

* خافيير سولانا | Javier Solana ، الأمين العام السابق لمنظمة حلف شمال الأطلسي، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي سابقا، وكبير زملاء السياسة الخارجية في "معهد بروكينغز"، ورئيس "مركز إيساد" للاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top