كيف يرى عبدالعزيز السريّع العالم؟
كُرم القاص والكاتب المسرحي عبدالعزيز السريع أخيرا في احتفالية على مستوى وزراء الثقافة في مجلس التعاون الخليجي. ولعل في هذا التكريم ما يُذكر بجهود السريع الإبداعية في المسرح والقصة، ويعيد للأذهان الأحاديث والسجالات حول مساهمات جيل المؤسسين لهذه الفنون.وكمنطلق للحديث عن عبدالعزيز السريع القاص، نشير في البداية إلى الاحتفاء اللافت بتجربته القصصية من قبل الدارسين، إذ لا تكاد تخلو أي مقاربة بحثية أو مقالية حول القصة في الكويت من ذكر تجربة عبدالعزيز السريع في مجموعته الوحيدة: «دموع رجل متزوج». وهذا وحده حري أن يضعه ضمن قائمة الأسماء المؤسسة لفن القصة في الكويت. ويبدو للمتمعن في قصص المجموعة، أن السريع كان يمتلك ذلك الحس الدقيق بوجود فارق مرهف وقاطع كحد السكين، بين لغة المسرحية ولغة القصة، أو بالأحرى بين خطاب المسرحية وخطاب القصة. فهو في تعبيره عن انشغاله – كباقي كتّاب جيله – بإشكالات المجتمع ومتغيراته الثقافية والفكرية، يختار وعاء الشكل المسرحي، لأنه أكثر مباشرة وملامسة للهموم، وأنسب في تحقيقه لمبدأ الالتزام ونظرية الانعكاس، مع نزعة نقدية تقييمية واضحة للواقع والحياة المعيشة.
إن وجود ذلك الحد المرهف والقاطع في ذهن السريع بين خطاب المسرحية وخطاب القصة، جعل احتفاءه بالشكل الفني ولغة الخطاب يطغى على ما عداه، ويبقيه في حالة تنبه دائمة إلى وقوفه على مشارف ضفتين متوازيتين، لكل ضفة هويتها وعلامتها الفارقة. وهو كما حدد للمسرحية موضوعاتها ومجالها وخطابها الأيديولوجي والفني، حدد كذلك للقصة دوائرها وفضاءاتها التي اختلفت اختلافاً ملحوظاً عن فلك المسرحية ومداراتها. في المسرحية هناك حضور مهول للواقع الاجتماعي بقشرته الصارمة، الفاقعة بحرفيتها ودلالتها. أما في القصة فالقارئ لا يرى المجتمع، وإنما يرى أشباحه الباهتة المضببة، أو يرى ظلاله الاعتبارية أو الافتراضية في سلوك الشخصيات، وتهافتها ودورانها حول ذواتها المعذبة بالعزلة والشك وافتقاد الغاية، والمعذبة أيضاً بأسئلة وجودية ملغزة وملحة، بل أكثر إلحاحاً من أي أسئلة لها علاقة بالواقع الاجتماعي بصفته القشرية المباشرة. ولعل هذا السياق حول اختلاف الرؤية بين المسرحية والقصة عند الكاتب يقودنا لا محالة إلى التساؤلات الآتية: كيف يرى الكاتب العالم؟ وما موقفه منه؟ وما العلاقة بينه وبين هذا العالم؟ هل هي علاقة نقد؟ أم استقراء؟ أم استبطان؟ ويبدو للمتأمل أن علاقة عبدالعزيز السريع مع العالم في فنه الإبداعي بدأت استقرائية، فنقدية في أعماله المسرحية، وانتهت استبطانية موغلة في النفس الإنسانية وتهاويمها في أعماله القصصية. إن قصصه جميعاً تكاد تنضوي تحت ملمح الاغتراب الوجودي، والبحث عن يقين وروابط في عالم هلامي عبثي، افتقدت فيه الغايات والحميمية الإنسانية. وإن كان ثمة ملمح آخر يجمع قصص هذه المجموعة، فلعله يتمثل في كون شخصياتها جميعاً واقعة تحت حالة من الانخذال والعجز، والشعور بالدونية وقلة الحيلة والتهافت. يصاحب ذلك إحساس عارم بالبؤس، وانعدام القيمة وانتفاء اليقين، في عالم بارد أصم بلا غاية أو مخرج. ولذلك فليس لقصص عبدالعزيز السريع نهايات قاطعة أو انفراجات مريحة، وإنما هي أشبه بالدوائر المغلقة المتكررة التي تعيدنا دائماً إلى خط البداية، لندوخ معها من جديد، وكأننا أحد أبطالها!أما بناء الشخصيات فقد جاء حسب منظور التوازي لا التكامل، والخطوط المتوازية حسب النظرية الرياضية لا تلتقي أبداً، وكذلك كان حال الشخصيات من الانفصال والتنافر، وحال المسافات بينهم. أما الملمح الآخر فيتضح في تشابه أحداث القصص مع إيقاع الحياة المعيشة، لا التقنين المفتعل. أي إنها أحداث تشبه رتم الحياة في انفلاتها وتبعثرها وتشظيها، أكثر من كونها بناءً مفتعلاً ذا تصميم وترتيب واعٍ. ولعل هذا انعكس على لغة القص، فجاءت عادية جداً كاللغة المحكية، عارية من الفذلكات الأسلوبية والخيال الجانح وسحر البيان. فكل ذلك يتنافى مع نمط الشخصيات وأجوائها، بل يتنافى مع الطرح الذي تقدمه والرؤية التي تتبناها.وأخيراً أيحق لنا في نهاية هذه المقالة أن نتساءل: لماذا اكتفى عبدالعزيز السريع بمجموعة قصصية واحدة، كتب أحدث نماذجها قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمان؟! وماذا يعني ذلك؟ هل اكتفى الكاتب بهذه الرؤية الانطباعية عن العالم؟ أم هل لم يعد هناك ما يُقال عن عالم بهذه المقاييس والنوعية؟!