أين الحقيقة في الاتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون التي وقعتها الكويت في الرياض قبل أيام؟ هل هي اتفاقية جديدة بين الدول الأعضاء، أم أنها مكملة لاتفاقية 1994 التي رفضت الكويت التوقيع عليها لخرقها للدستور الكويتي وقوانين الدولة، وإذا لم توقع الكويت على "الأصل" فكيف نفهم الموافقة التمهيدية على الاتفاقية "الجديدة أو المكملة" قبل أن يوقعها رؤساء الدول، ويتم التصديق عليها من قبل المجالس "المختصة"، وكأن هناك مجالس مختصة حقيقية في دولنا. ظلام دامس مخيف يلف تلك الاتفاقية التي وجدت الحكومة اليوم، وبغياب مجلس نيابي يرأسه أحمد السعدون، أنها فرصتها لتمرير مشروع اتفاقية تجريم لكل فعل نقدي يدخل في حرية التعبير المخنوقة في دول الخليج. ذكرت أحمد السعدون، لأنه هو الذي رفض بشجاعة تلك الاتفاقية عام 1994، وكتب أمس الأول في موقع "الاقتصادي" أسباب رفضه لها.

Ad

تلك الاتفاقية لا تستهدف أساساً أمن الدول الخليجية، وإنما أمن الأنظمة الحاكمة، ولما كان مفهوم النظام يمتزج تماماً في مؤسسة الدولة، تصبح الاتفاقية بقدرة قادر مختصة بأمن الدول، فالدولة الأمة هي النظام الحاكم والنظام الحاكم هو الدولة، لا فرق، مجرد إعادة صياغة خليجية متجددة لأنظمة  العصور الوسطى الأوروبية. المضحك المبكي معاً في نصوص اتفاقية 1994، هو المادة 28 منها  التي تفرض تسليم المتهمين "… متى ارتكبت الجريمة خارج أراضي الدولتين الطالبة والمطلوبة إليها التسليم طالما أن القوانين أو الأنظمة في الدول الطالبة تعاقب على تلك الجريمة إذا ارتكبت داخل أو خارج أراضيها..."، مثل هذا التشريع القراقوشي خطير، فهو يخرق أبسط مبادئ إقليمية القوانين، بمعنى أن الأصل في قوانين الدولة، لاسيما الجزائية منها، لا يجوز أن تتجاوز إقليم الدولة إلا بحدود استثنائية ومحصورة جداً، إلا أن مثل هذه الاتفاقية تبعث الحياة لما يسمى بـ"شخصية القوانين"، أي أن القوانين المحلية لدولة ما تتبع البشر أينما ذهبوا، والمقصود هنا بهذه المادة قمع الأصوات المعارضة التي تتخذ من أوروبا مثلاً مكاناً لنقد أي نظام في منظومة الدول الخليجية، والحمد لله أن دولتين مثل بريطانيا وفرنسا ليستا خليجيتين.

ثم جاءت المادة الأخرى التي تمنع تسليم المتهمين بين الدول الموقعة في الجرائم السياسية...! عظيم، "صرنا حضاريين أوادم... أخيراً"، لكن ما هي الجريمة السياسية؛ وكيف تعرفها الاتفاقية... لا شيء، إلا أن الاتفاقية أوردت استثناءات من الجريمة السياسية مثل "الاعتداء على أولياء العهد وأفراد الأسر المالكة أو الحاكمة والوزراء ومن في حكمهم في الدول الأعضاء..." "خوش حجي"... ماذا بقي مما يسمى "جريمة سياسية"... وماذا تركتم لحريات الضمير؟

لنترك تلك الاتفاقية القمعية، ونوجه السؤال هنا إلى حكومة الصوت الواحد الأبخص في شؤون الدين والدنيا: على ماذا وقع وزير الداخلية الشيخ أحمد الحمود في الرياض... وأين إعلام "... استقبل ووصل وهنأ وافتتح" الرسمي من نشر بنود الاتفاقية، أم أن المسألة لا تعني الشعب الكويتي… فنحن في النهاية تحصيل حاصل، وأنتم  كنتم وما زلتم الأبخص والأعلم... ولماذا نشغل أنفسنا بالسياسة،   كافي علينا فرحنا بدعم أعلاف الإبل، وبيض التموين القادم في الجمعيات التعاونية وجمعية مجلس الأمة حين ترين على بيض السلطة، وتفقس لنا كتاكيت غربان؛ أولاداً وبنات.