أنا من أولئك الذين كانوا ولا يزالون وسيظلون يحلمون بالأمة العربية والأمة الإسلامية الواحدة، لذلك ستروني أقع دائماً وبسرعة أسيراً لإغراء أي فكرة وحدوية، كائناً من كان من أطلقها. والسبب أنني أؤمن، وبكل بساطة، بأن في الاتحاد قوة، بل صرت مقتنعاً اليوم، في ظل هذا التدافع، بل التطاحن العالمي والفوضى السياسية والاقتصادية الممتدة في كل اتجاه، بأنه قد صار ضرورة لازمة، حيث لا حياة مستقرة كريمة للصغار والضعفاء في عالم تتسيده الفيلة والغيلان. لقد أصبح المسار العالمي الموضوعي اليوم هو باتجاه التوحد والتعاضد، لا التفكك والتباعد.

Ad

لكن وإن كنت قد قلت ما قلت أعلاه، ورغم ترحيبي دوما بالفكرة الوحدوية، فإن أي مشروع مقترح في هذا الصدد لا يمكن الحكم عليه، سواء سلباً أو إيجاباً، إلا بالنظر إلى جزئياته الصغيرة وتفاصيله الدقيقة، ومن ذلك مشروع الاتحاد الخليجي المطروح حالياً.

وهنا وقبل المباشرة في الحديث عن هذا المشروع، فمن الأهمية بمكان، الإشارة إلى أن التصريحات الإيرانية الرسمية المباشرة، وكذلك الرسمية المتخفية خلف أقنعة الصحف والجماعات المستقلة، في اللعبة الإيرانية المفضوحة التي صرنا نعرفها جميعاً، والتي خرجت كلها لتعارض وتضرب هذا المشروع، بشكل خارج عن كل مقتضيات اللياقة السياسية، إنما تكشف وبجلاء استحقاق الهاجس الأمني من هذا الجار الذي لا ينفك يصر على أن يكون عدائياً وشريراً تجاه الآخرين، وهو الأمر الذي يستدعي بلاشك وجود قوة عسكرية موازية تقف في وجهه لردعه عن القيام بأي تصرف متهور!

لكن في الكفة المقابلة، وعند حديثنا، نحن الخليجيين، عن الاتحاد الخليجي المقترح، تحتشد أمامنا عشرات الأسئلة التفصيلية التي تحتاج إلى إجابات واضحة وصريحة لنا كشعوب ستشكل هذا الاتحاد، ويجب أن تكون لها الكلمة الأساس في ما سيجري.

وسأتحدث هنا بلسان مواطن كويتي يعيش في بلد دستوري تجري به انتخابات حرة ينتج عنها برلمان منتخب يملك من الصلاحيات ما يخول أعضاءه استجواب ومحاسبة وإسقاط رئيس الحكومة فضلا عن بقية الوزراء، وكذلك به سقف عال من الحرية السياسية والإعلامية، وقدر واسع نسبيا من الاطمئنان الأمني والتنوع الديني والفسحة الاجتماعية، حين نقارنه ببعض الدول التي سيشملها الاتحاد المقترح. كيف سيكون وضع هذا كله، وكذلك وضع الكثير غيره من الفروقات والاختلافات على الصعد المختلفة؟ كيف سيتم هذا الاتحاد الاندماجي الامتزاجي في ظل وجود هذا الكم الهائل من التباينات الصعبة؟

لكنني مع ذلك سأعترف لكم بأنني حين أفكر في الموضوع ملياً، لا أراه سيذهب إلى أي مكان، وأن هذا الحديث العريض حوله ليس سوى حديث افتراضي سيستهلك جهداً ووقتاً بلا طائل، فملابسات التفكير في هذا الاتحاد، التي نعلم أنها ما جاءت من القيادات مدفوعة بالبحث عن مصالح الشعوب والرغبة في الارتقاء بها، وإنما بسبب الهاجس الأمني والتخوف من "شر" النظام الإيراني وأطماعه، وكذلك واقع اختلاف بل وتخالف سياسات دول الاتحاد المقترح بعضها عن بعض طوال العقود الماضية، وكذلك واقع وتاريخ مجلس التعاون الخليجي، وهو الذي لم ينتج عنه شيء حقيقي ملموس يلبي ولو جزءا من تطلعات شعوب هذا المجلس، أقول إن هذا كله يشي ومن البداية أن اتحاداً خليجياً يقوم على أسس سليمة لن يقوم في المنظور القريب.

ومع ذلك سأقول هنا: نعم، ولا أظن مواطناً خليجياً يختلف معي في هذه، نريد قوة عسكرية موحدة لتحمينا من مخاطر الدول الشريرة المحيطة، مثل إيران التي صارت تجاهر بالعداء نحونا دوماً، لكننا في الوقت نفسه، وبخصوص هذه النقطة بالذات، نريد أن نعرف تماماً آليات تحريك هذه القوة العسكرية إن هي تكونت بالفعل، فلا أريد أن أتخيل ولا للحظة واحدة أن هذا الجيش سيجوز تحريكه ضد مصالح أي شعب من شعوب هذا الاتحاد المقترح لأي سبب من الأسباب في أي وقت من الأوقات!

نعم يا سادتي، الاتحاد قوة. ولكن يجب أن يكون اتحاداً نحو الأفضل سياسياً وأمنياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً، وأما إن كان اتحاداً ارتجالياً سيخسف بمكتسبات الشعوب وسيعيدها إلى الوراء، وهي التي تتطلع إلى المستقبل، فهو حينها مرفوض، ولا نريده.