إنصاف السادات المتأخر!
حلّت اليوم الذكرى التاسعة والثلاثون لحرب أكتوبر المجيدة فعلاً، التي حقق فيها الجيش المصري معجزة عسكرية لم يحققها أي جيش عربي في تاريخ العرب الحديث، وحقيقة إن أهم تقدير لإنجاز عبور قناة السويس واجتياح "خط بارليف" الشهير، وإلحاق أهم هزيمة فعلية بالجيش الإسرائيلي، هو المبادرة التي قام بها الرئيس محمد مرسي، كثَّر الله خيره، بمنح اسم الرئيس محمد أنور السادات أرفع أوسمة الدولة المصرية، تكريماً له في هذه المناسبة، التي ستبقى نقطة مضيئة في أسفار التاريخ.لم يُظلم رئيس عربي كما ظُلم السادات، فبدلاً من تكريمه والاعتراف المبكر وليس المتأخر بإنجاز العبور العظيم الذي حققه جيش مصر بقيادته، كصاحب قرار ونظرة استراتيجية بعيدة الأفق، تم اغتياله في مثل هذا اليوم في الذكرى الثامنة لحرب أكتوبر برصاص جاهل تقف خلفه جهات متطرفة محشوة بمفاهيم بائدة لا علاقة لها بهذا العصر، وليس لديها القدرة على فهم حقائق الأمور.
وحتى هذا الإنجاز البطولي العظيم لجيش مصر العظيمة فقد جرت محاولات لاغتياله سواء من داخل مصر نفسها أو من خارجها، ولعل الذين عاشوا تلك المرحلة يتذكرون الآن، وبعد كل هذه الفترة الطويلة، التي تلاحقت خلالها أحداث وتحولات هائلة وخطيرة أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن، كيف أن العرب لعجزهم وقلَّة حيلتهم قد بادروا إلى عزل هذه الدولة العربية المحورية والأساسية، وعزل شعبها واستهداف كرامة ومناقبية جيشها، والمسارعة إلى إنشاء مراكز قيادية غير القاهرة، وتلميع قيادات طارئة متسلقة غير القيادة المصرية.والآن إذ ننظر إلى الخلف بعد كل هذه الفترة الطويلة، وبعد كل ما حصل خلال هذه الفترة من تغيرات هائلة أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن فإننا نجد أن قمة بغداد، التي عقدت في تلك الفترة تحت شعار "الصمود والتصدي"، كانت في حقيقة الأمر لاستبدال الزعامة المصرية للعرب بزعامة طامحة وطامعة جديدة، واستبدال مركز القاهرة بعاصمة أخرى، وشطب مصر كلها بشعبها وجيشها ومكانتها من المعادلة العربية، وكل هذا وكان المفترض أن يكون هناك احتضان لقيادة مصر ولشعب مصر ولجيش مصر، بدلاً من فتح الأبواب للذين اعتقدوا في لحظة كانت مريضة أنه بالإمكان قلب الهرم العربي ليقف على رأسه بدلاً من أن يبقى واقفاً على قاعدته.لقد كانت قمة بغداد تلك، التي أرسلت رئيس وزراء إحدى الدول العربية إلى القاهرة وبرشوة بائسة لثني الرئيس السادات عن توجهه الجديد، ليس خطأ فقط بل خطيئة لا تغتفر، ولقد كان نقل الجامعة العربية من مصر إلى تونس خطيئة أكبر من هذه الخطيئة السابقة... لقد كان العقل العربي الرسمي بغالبيته قاصراً وغير قادر على استيعاب معطيات تلك المرحلة التحولية الخطيرة، ولذلك فقد مورست على ياسر عرفات (أبو عمار) ضغوطات هائلة من قبل حافظ الأسد ومعمر القذافي بالدرجة الأولى، لرفض دعوة المشاركة في مفاوضات "مينا هاوس" الشهيرة في القاهرة، وكانت النتيجة أن افتُعلت الحرب الأهلية اللبنانية، وتلاحقت "المؤامرة" إلى أن كان الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، وكان اقتلاع منظمة التحرير من جذورها، وإرسالها مهيضة الجناح إلى تونس، لتصبح مجبرة تحت واقعها المستجد على قبول اتفاقات أوسلو، رغم أنه كان بالإمكان انتزاع حق إقامة الدولة المستقلة لو أنها استجابت للدعوة المصرية، ولو أنها فاوضت من موقع القوة، ولو أن الموقف العربي لم يكن مصاباً بقصر النظر الذي كان مصاباً به.