حكم الشورى
يقول المولى عز وجل "وأمرهم شورى بينهم"، لذلك فقد استهلت المادة (6) من مسودة الدستور المصري تعريفها للنظام الديمقراطي بأنه يقوم على مبدأ الشورى، في الوقت الذي استبدلت فيه المسودة بمسمى "مجلس الشورى" مسمى "مجلس الشيوخ"، وهو التناقض الذي وقعت في حومته مسودة الدستور.مبادئ الشريعة الإسلاميةوعلى الرغم من أن الفقه الإسلامي في المعاملات والعبادات هو من أغلى كنوز الحضارة الإسلامية، وهو الذي مكن لها في بقاع الهند والصين وتركيا وروسيا وإفريقيا وأوروبا وآسيا.أي أن مبادئ الشريعة الإسلامية، بمعنى الفقه الإسلامي التي نصت مسودة الدستور على اعتبارها المصدر الرئيس للتشريع، لا تعيننا على حسم مسألة مدى التزام الحكام بأخذ رأي مجالس الشورى، ومدى التزامهم بهذا الرأي، فيرى جمهور الفقهاء المتقدمين، أن مبدأ الشورى لا يقوم على سبيل الحتم والوجوب، إنما هو عمل مندوب إن قام به الحاكم استحق عليه الثواب في الآخرة، والشكر في الدنيا.لذلك فإن موضوع الشورى هو من الموضوعات الغامضة في التاريخ السياسي الإسلامي، وأن الفقه الإسلامي لم يفرد له كتاباً أو بابا أو فصلا من كتب وأبواب وفصول هذا الفقه العظيم، لعزوف العلماء المسلمين عن البحث في أمور الحكم أمام منطق السيف الذي تعامل به الملك العضوض مع الفقهاء، حتى إن من تصدى لهذا الموضوع وهو الإمام الماوردي، أوصى بعدم نشر كتابه المعروف "الأحكام السلطانية" إلا بعد وفاته، خشية أن يلقى مصير الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل.الأئمة الأربعة شهداء الرأيوكان الإمام أبي حنيفة بطل الحرية والتسامح في الإسلام قد نأى بنفسه عن ولاية القضاء مهابة لهذه الولاية، ولقول الرسول عليه الصلاة والسلام "... قاضيان في الجنة وقاض في النار"، فلما استدعاه الخليفة ليجبره على قبول هذه الولاية، اعتذر للخليفة، مبرراً ذلك بأنه لا يصلح لها، فرد عليه الخليفة: بل أنت كاذب، فمن غيرك يصلح لها؟! فقال الإمام للخليفة: وهل يصلح كاذب لولاية القضاء؟ فأمر الخليفة بسجنه إلى أن مات في سنة 150هـ وهو سجين في السبعين من عمره. ومات الإمام مالك بعد أن ضرب بالسياط عندما أفتى ببطلان طلاق المكره، فدسوا له عند الخليفة أبي جعفر المنصور، بأنه قصد إلى أن بيعة المسلمين له على الخلافة كانت باطلة لأنهم أكرهوا عليها.وعندما اختلف أحمد بن حنبل مع الخليفة المأمون حول خلق القرآن، سجنه الخليفة ثلاث سنوات وجاء المعتصم من بعده فأمر بتعذيبه بعد أن أحضروه إلى مجلسه، وكان الجلادون يتعاقبون عليه بأسواطهم والمعتصم يأمرهم بأن يزيدوا من سياطهم حتى تمزق جسده، والإمام يقول آتوني شيئاً من كتاب الله، إلى أن غاب عن الوعي فداسوه بأقدامهم، ولزم داره وامتنع عن الحديث حتى لا يصيب تلاميذه بالأذى إلى أن مات.ومات الإمام الشافعي الفقيه بدوره شهيداً، إثر مناظرة بينه وبين فقيه من أشعث الناس، فانتظره أصحاب هذا الفقيه الأشعث حتى خلا المسجد من رواد المناظرة فضربوه، وحمل إلى منزله وبقي فيه عليلا حتى مات.الرئيس الراحل السادات والشورىوكان الرئيس الراحل محمد أنور السادات قد اختار مسمى "مجلس الشورى" ليستقطب التيار الإسلامي لتسويق تعديله للمادة (76) من الدستور ليستمر في الحكم مدى الحياة من ناحية، وليكون رأي المجلس رأياً استشارياً وفقاً للرأي الغالب في الفقه الإسلامي من ناحية أخرى، وهو ما جرت به نصوص التعديل الدستوري الذي حدد اختصاصات مجلس الشورى، والذي جرى الاستفتاء عليه في 22 مايو 1980، وظل مجلس الشورى على هذه الحال إلى أن عدل؛ ليوجب التعديل عرض القوانين المكملة للدستور على هذا المجلس، وضرورة موافقته عليها.
مقالات
ما قل ودل: قراءة متأنية في مسودة الدستور المصري... تطبيق شرع الله كلمة حق يراد بها باطل (3)
18-11-2012