"لكل سؤال إجابة" ليست كمثل "لكل إجابة سؤال"، الأولى تعبّر عن أن لكل شيء نهاية، أما الثانية فتقول إن لكل نهاية بداية، والشخص الذي يؤمن بالأولى لا يشبه إطلاقاً الشخص الذي يؤمن بالأخرى!

Ad

الأول يقع غالباً في فخ اليقين، أما الآخر فغالباً ما يُدميه شرَك الشك، الأول يشقى براحته، أما الآخر فيشقى فقط!

الأول يبحث عن أقرب حائط  ليرمي تحت ظله وِزْر السؤال الذي أنقض ظهره ويستريح، ولأنه يريد أقرب حائط فهو لا يهتم كثيراً بمدى قوة هذا الحائط وصلابته ودرجة تماسكه لذا لا يسلَم هذا الشخص في كثير من الأحيان من سقوط الحائط على رأسه بمجرد أن يستند إليه، هو يطمئن لمجرد رائحة يقين يملأ بها صدره، وغالباً ما يرتدي رداءً من القناعة مهترئاً سهل التمزق ولا يستر عورة عقل، يرى أن الطريق أقصر من حقيقته، وأن السماء لا تستحق طول النظر لأنه يمكن ملامسة وجهها بقفزة واحدة في الهواء أو قفزتين على الأكثر، وأن لا جوهر لأي شيء سوى ظاهره وما يبدو عليه، يرتق ثقب العطش بخيط من سراب ويشعر بارتواء بطعم البحر، يكتب على الماء تحت سطوة أنه ينقش في الصخر، يخلّد ما هو زائل، ويحيي الموت في كل حياة!

أما الشخص الذي يؤمن أن لكل إجابة سؤال، فلا يروي عطشه قطر الشهد، إذ سيظل يسأل: حسناً ولكن... أين الماء؟! هو لا ينفك عن اختراع الدوائر، لا يجد منفذاً من دائرة إلاّ ويخلق دائرة أكبر منها ليبحث عن منفذٍ لا لكسر حصارها وإنما للدخول في دائرة أخرى أكبر، إنه لا يثق بأن كل الطرق تؤدي إلى روما، وإنما هناك آلاف الطرق، وطريق واحدٌ من بين كل تلك الطرق هو الذي يؤدي إلى روما، يظن أن السماء بعيدة جداً لكنه يظل مشغولاً بإيجاد وسيلة للإسراء، ينقش على الصخر ما هو متيقّن من أنه سيمحوه حالما ينتهي من نقشه أو بعد ذلك بقليل، يستوطنه القلق الدائم، وبين كل قلق وآخر مجرد ظنّ أقرب إلى اليقين بمثابة استراحة لمحارب عنيد، يرى أن الأجدى أن يطارد الأسئلة ويصطادها بدلاً من أن تطارده هي وتصطاده، لذا يفضّل الموت شهيداً على الحياة طريداً! لا يبدو أي شيء كما هو بالنسبة إليه، فهناك حتماً ما هو مختلف خلف ظاهر الأشياء وهناك قطعاً ما هو عسير على الفهم فيها، القناعات مجرد وهم زائف ومع ذلك يصرّ على البحث عنها، يؤمن أن ما يعتقده الآخرون أنه النهاية ليس إلا بعثاً لذات الشيء ولكن بصورة أخرى، وإذا ما ارتاح لذلك "الإيمان" ظل يبحث عن السر الكامن وراء ذلك، هو مقتنع بأن لا إجابة خالدة، وإنما الخلود فقط للسؤال، فبالسؤال نبعث الحياة في ما نظنه قد مات، وبالسؤال وحده تكمن الحياة!

هذا الشخص إذا ما وجد يقيناً لا يظلله شك (وغالباً لن يجد) يصبح أكثر الأتقياء صلحاً مع ذاته، وأجملهم قلباً.