ما بعد الأسد!
كَثُر طرح سؤال: "ماذا بعد الأسد ومن البديل؟"، وهو سؤال محق وضروري، فالأوضاع في سورية باتت تشبه لوحة "سريالية"، كل من ينظر إليها يقرأها حسب رغباته وتوجهاته، فـ"فلول" البعثيين يقولون إن البديل هو حزب البعث بعد أن يجدد نفسه، و"الإسلاميون" يقولون إن تجربة نحو خمسين عاماً، منذ الثامن من مارس 1963، أثبتت فشل كل القوى والاتجاهات القومية، وبالتالي فإنه لا يصح إلا الصحيح، والصحيح أن الدور أصبح للإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين.وحقيقة إن الوريث المفترض لا هو "البعث"، الذي أكل نفسه قبل أن يأكله الآخرون، والذي فشل في الامتحان التاريخي فشلاً ذريعاً، سواء في العراق أو في سورية، ولا هو الإخوان المسلمون الذين أطاحت تجربتهم القصيرة العمر في مصر بكل المراهنات عليهم، وأثبتوا أنهم مازالوا غير مؤهلين للحكم، وأثبتوا أيضاً أنه قد تكون لديهم برامج للهدم، لكن ليست لديهم أي برامج للبناء، وبالتالي فإنهم حتى وإن اغتنموا فرصة سانحة في لحظة اختلاط الأوراق ورمادية كل الألوان وتداخلها فإنهم سيفشلون حتماً كما فشل "إخوانهم" المصريون، فالشعب السوري بعد كل هذه المعاناة الطويلة، وبعد كل هذه التضحيات، لا يمكنه استبدال شمولية قومية وشعارها: "الوحدة والحرية والاشتراكية" بشمولية رجعية تستخدم الشعارات الإسلامية.
ولذلك حتى إن سقط بشار الأسد سواء باتفاق كاتفاق سقوط علي عبدالله صالح أو بالضربة القاضية، التي غدت متوقعة في أي لحظة، فإنه لابد من أن تكون هناك مرحلة انتقالية ستكون صعبة وقاسية بالتأكيد، وقد تتخللها صراعات أكثر دموية من صراع العامين الماضيين، والسبب هنا هو غياب التنظيم القادر على التوفيق بين كل هذه الاتجاهات التي تتكاثر يومياً، ولأن هذا النظام الأرعن فعلاً لجأ منذ اليوم الأول إلى تحويل سورية إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية.ستكون هذه المرحلة الانتقالية صعبة بالفعل، فالبلاد غدت مدمرة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، لكن ما هو مؤكد أن تحمل آلام هذه المرحلة الانتقالية سيكون بداية لتحولات واعدة، فهذا البلد لديه من الإرث الحضاري والثقافي ما يجعله مؤهلاً لطي صفحة كانت قد بدأت مع أول انقلاب عسكري في عام 1949، واستمرت إلى أن كتب أطفال درعا الباسلة بـ"طباشير" مدرستهم على جدران مدينتهم الحورانية البطلة: "الشعب يريد إسقاط النظام".ستمر هذه المرحلة الانتقالية، التي ستتخللها أوجاع وعذابات كثيرة، بسرعة وستنهض سورية من بين رماد النيران، التي بقيت متأججة لأكثر من نصف قرن من الأعوام، ذاق خلالها الشعب السوري العظيم مرارة القهر والقمع والاستبداد، وستكون هناك ولادة جديدة، ولن يكون هذا البلد إلا دولة ديمقراطية وتعددية ولكل أبنائها، فاستبدال شمولية بشمولية غير ممكن على الإطلاق، ومن المستحيل بروز "دكتاتور" لا بملابس عسكرية ولا بملابس مدنية، فمواسم إنتاج الدكتاتوريين انتهت، وهذا العصر هو عصر صناديق الاقتراع والحريات العامة وحكم الشعب نفسه بنفسه.