الأردن وأخطر الخيارات!
كان لابد من أن يقول رئيس الوزراء الأردني فايز الطراونة في المؤتمر الصحافي الذي عقده في براغ عاصمة الدولة التشيكية: "إن الحوار في سورية لم يعد مجدياً، ولابد من دور أكثر فاعلية للمجتمع الدولي"، وكان لابد أيضاً من الإدانة الشديدة من قبل الحكومة الأردنية لـ"المجزرة" التي أودت بحياة العشرات من الأبرياء والأطفال والنساء في بلدة التريمسة في ريف حماة، ولابد من الرفض المطلق لاستخدام القوة والعنف ضد المدنيين السوريين العُزَّل، فتصرفات النظام السوري تجاوزت كل الحدود، وغدت لا يمكن احتمالها من قبل دولة مجاورة لا تقبل أن تكون تحت التهديد المستمر، ولا تستطيع أن تبقى تستقبل يومياً المئات من الأشقاء السوريين الذين يجري اقتلاعهم من بيوتهم وقراهم ومدنهم بالعنف، وطردهم إلى خارج بلدهم بالرصاص وبقذائف المدافع الثقيلة والقوة الغاشمة. حتى حافظ الأسد كان قد أرسل جيشه إلى لبنان حيث احتله احتلالاً عسكرياً مباشراً نحو ثلاثين عاماً بحجة أن بلده غير قادر على استيعاب المزيد من المهجرين اللبنانيين، وبحجة أن سورية لا يمكن أن تبقى مكتوفة اليدين إزاء تمزق دولة مجاورة يؤثر ما يجري فيها من قتال ومن حرب أهلية على الأمن الوطني السوري، ويفتح المجال للإسرائيليين لإيجاد رؤوس جسور أمنية وعسكرية لهم متقدمة، ستشكل تهديداً فعلياً للقوات السورية المنتشرة على خطوط المواجهة من مشارف الجولان وعلى امتداد الحزام الغربي حتى مدينة حمص في الشمال. وبالنسبة إلى الأردن، الذي حاول أن ينأى بنفسه عما يجري في دولة عربية مجاورة يتداخل معها جغرافياً وديموغرافياً نحو عام ونصف، فإنه لم يعد قادراً على الاستمرار في سياسة اللون الرمادي والمساحة الرمادية، بعد أن غدا ما يجري في سورية، بعد أن وصلت الأمور هناك إلى الحرب الأهلية كما ورد في تقارير الصليب الأحمر الدولي، يؤثر تأثيراً على الأمن الوطني الأردني، وعلى الأوضاع الاقتصادية الأردنية المُنهكة أساساً في ضوء تزايد أعداد اللاجئين السوريين الذين تقول المعلومات الرسمية إن عددهم حتى الآن اقترب من المئة والأربعين ألفاً. وفي هذا المجال، ربما لا يعرف بعض الأردنيين أن هذا النظام السوري، الذي غدا بلا كوابح والذي هو بدعم من روسيا وإيران مصمم قبل رحيله على إغراق المنطقة كلها في الفوضى والدماء والدمار، كان قد أوصل تهديدات إلى الأردن بأنه إن لم تنسجم السياسات الأردنية مع نهجه ومواقفه وسياساته، فسيلجأ إلى طرد اللاجئين الفلسطينيين في سورية، الذين يبلغ عددهم نحو نصف مليون، وسيدفعهم بدون أي أوراق ثبوتية في اتجاه الأراضي الأردنية... والآن وقد بدأ استهداف المخيمات الفلسطينية، وخصوصاً مخيم اليرموك الذي يقع في قلب دمشق والذي هو أكبر هذه المخيمات، فإنه لابد من أن تأخذ الحكومة الأردنية هذه التهديدات الآنفة الذكر بكل جدية. ثم وإن استطاع الأردن الاستمرار في تحمل ما لم يحتمل، واستطاع الاستمرار في احتواء المناوشات اليومية عبر الحدود السورية في اتجاه حدوده، فإنه لا يمكن أن يستمر بموقف اللون الرمادي الذي بقي يتخذه على مدى نحو عامٍ ونصف، بينما باتت سورية، الدولة العزيزة والشقيقة التي يتداخل معها وتتداخل معه جغرافياً وديموغرافياً، مهددة بالانقسام والتشظي، وبينما حوَّل هذا النظام صراعه مع شعبه إلى حرب أهلية بطابع طائفي خطير فهذه مسألة تستدعي اللجوء حتى إلى أكثر الخيارات خطورة وصعوبة، وبالطبع بالتنسيق مع العرب والمجتمع الدولي للحفاظ على وحدة دولة عربية شقيقة استقراره من استقرارها وأمنه من أمنها والحال واحد بينها وبينه!.