نواب الأغلبية يقولون إنهم مع الدولة المدنية، لكن مفهومهم عنها يختلف عن مفهومنا، فهم يريدون دولة مدنية بصبغة دينية، كيف يكون ذلك؟ الله أعلم! فما نعرفه عن الدولة المدنية أنها نقيض للدولة الدينية، حيث لا تمايز هناك بين مواطن وآخر على أساس المعتقد أو المذهب.

Ad

خلافنا مع نواب أغلبية 2012 كان ولا يزال خلافاً في المفاهيم والرؤى لا في الأهداف والطموحات، فنحن متفقون معهم في ضرورة الإصلاح السياسي والقضاء على الفساد، غير أن تفسيرنا المختلف للمفردات والشعارات التي يرددونها كالفساد والقبيضة وحماية الدستور والدولة المدنية وغيرها، يجعل طريق التعاون بيننا وبينهم مسدوداً، ويجعل الحكومة- على علاتها- في نظرنا أرحم منهم بكثير!

فنواب الأغلبية الذين يطالبون بمحاربة الفساد ينحصر مفهومهم عنه في رشوة النواب وفي توزيع المناقصات على التجار، بينما نراه يضرب أطنابه في كل ركن من أركان الوطن، فمن يتاجر بالإقامات فاسد، ومن ينظم الانتخابات الفرعية فاسد، ومن يتوسط للمجرمين بالمخافر فاسد، ومن يتكسب من الدين فاسد، ومن يأخذ مكان غيره بالعلاج في الخارج فاسد، ومن يستغل منصبه في تنفيع أهله وأقربائه فاسد، والذي يريد محاربة الفساد حقا عليه أن يبدأ بنفسه ومن حوله، قبل أن يتوجه إلى الآخرين!

ونواب الأغلبية يريدون زج النواب القبيضة في السجون، ونحن نؤيدهم في ذلك، لكن مفهومنا للقبيض لا يقتصر على من يقبض المال فقط، بل نرى أن كل من يستفيد من وجوده في مجلس الأمة قبيض، وسواء عندنا إن كان ما قبضه منصباً أو ترقية أو مناقصة أو معاملة أو مالاً، فهو في الآخر قبض الثمن لمواقفه السياسية من حكومتنا العتيدة خوفا أو طمعا، ولدينا بحمد الله حكومة تستجيب للخوف أكثر، ولذلك كثرت الحناجر الذهبية وساد الضجيج والصراخ، فما أسهل الاستئساد على حكومة ترتعد من كل من يصرخ عليها!

ونواب الأغلبية يزعمون أنهم مدافعون عن الحريات وأنها على رأس أولوياتهم، غير أن مفهومهم للحريات يختلف عن مفهومنا، فهي محصورة عندهم في جانبها السياسي وبشكل خاص حريتهم في انتقاد الحكومة والشيوخ، أما عدا ذلك من حريات فهم من أشد المحاربين لها والراغبين في تقليصها، فحرية الرأي والاعتقاد والإبداع الفني والأدبي والحريات الشخصية لا تعني لهم شيئا، بل إنهم أرادوا إقرار قوانين تفرض على المرأة لبس الحجاب وأخذ الموافقة منهم قبل إجراء أي عملية تجميلية، وأظن أنهم لو استمروا في المجلس لأربع سنوات لأقروا قانوناً يمنعنا من السفر إلى الخارج دون إذنهم!

ونواب الأغلبية يقولون إنهم مع الدولة المدنية، لكن مفهومهم عنها يختلف عن مفهومنا، فهم يريدون دولة مدنية بصبغة دينية، كيف يكون ذلك؟ الله أعلم! فما نعرفه عن الدولة المدنية أنها نقيض للدولة الدينية، حيث لا تمايز هناك بين مواطن وآخر على أساس المعتقد أو المذهب، وكلهم سواسية أمام القانون وفي الحقوق والواجبات وهو ما لن يتم في وجود دولة تحكم بسلطة إلهية، وتستمد تشريعاتها من النصوص الدينية، فعلى الدوام سيكون هناك أفضلية لمواطن على آخر، وقد أخرج أحدهم ما في صدره حين قالها صريحة في إشارة واضحة لما يراه من أفضلية لفئة على أخرى بأن "الكويت دولة سنية"... "واللي مو عاجبه كيفه"!

نواب الأغلبية يقولون إنهم يدافعون عن الدستور، ونحن نفهم أن الدفاع عن الدستور يعني الحفاظ عليه والالتزام بما جاء فيه، بينما يرى جماعة الأغلبية ضرورة نسفه بشكل تام ليتناسب مع أهوائهم ورغباتهم، فبعضهم يريد تحويله إلى دستور ديني، فيما تفرغ آخرون في محاولاتهم لتقليص سلطات سمو الأمير وأسرة الحكم ليحكم الشعب نفسه بنفسه وفق شعار "لكم الإمارة ولنا الإدارة" و"جربناكم 50 سنة جربونا 4 سنين"!

هذا هو خلافنا مع الأغلبية، في معاني الألفاظ وتفسيرها، فرغم أننا نردد نفس المفردات والشعارات والمطالبات، لكن فهمنا لها مختلف تماما، ولذلك، حتى إن اتفقنا معهم في الرغبة في الإصلاح والتغيير، فإننا سنبقى مختلفين في طريقة وأسلوب هذا التغيير حتى إشعار آخر... قد لا يأتي أبداً!