نعم نكرهكم!
والمقصود هو هذه الإدارة الأميركية ومعظم الإدارات التي سبقتها، فالموقف الذي اتخذته أميركا خلال وقبل وبعد تصويت الجمعية العمومية للأمم المتحدة على الطلب الفلسطيني لقبول فلسطين دولة غير عضو في هذه الهيئة الدولية شكل تحدياً للكرامة العربية، وأكّد مجدداً أن الولايات المتحدة هي إسرائيل بكل عدوانها وبكل إساءاتها المتلاحقة للوجدان الفلسطيني، وأن إسرائيل بدورها هي الولايات المتحدة، وأن احتلالها هو احتلال أميركي، وأن عربدتها هي عربدة أميركية.يسأل الأميركيون، ليس الشعب وإنما هذه الإدارة ومعظم الإدارات التي سبقتها، العرب لماذا تكرهوننا؟! وفي الحقيقة أننا بتنا نكره أميركا كدولة وليس كشعب مادامت تتصرف إزاء الصراع في الشرق الأوسط على أنها إسرائيلية أكثر من إسرائيل نفسها، ولأنه لولاها ولولا انحيازها المخزي للإسرائيليين لما بقيت هذه الدولة الإسرائيلية المارقة تدير ظهرها لكل الرأي العام العالمي ولكل القرارات الدولية، ولما بقيت تستمتع بإهانة الشعب الفلسطيني وتحتل أرضه وتشن حروباً متلاحقة عليه من أجل القتل والمزيد من القتل فقط وبإهانة العرب وكل الذين يرفضون تصرفات إسرائيل وعدوانها في كل الكرة الأرضية.
ليس العرب والفلسطينيون والمسلمون وحدهم الذين ازدادوا كرهاً للولايات المتحدة، فكل شعوب الدول التي صوتت على هذا القرار التاريخي وأيضاً شعوب الدول التي امتنعت عن التصويت ازدادت كرهاً لسياسات واشنطن وتصرفاتها تجاه الصراع الشرق أوسطي المستمر منذ أكثر من ستين عاماً وتبنيها "الوقح" وغير المبرر لإسرائيل وعدوانها المستمر وحروبها التوسعية المتلاحقة. ولعل ما يجب أن يدركه الشعب الأميركي الطيب أن الذين يحكمونه دفعوا دولة عظمى وعظيمة إلى أن يقتصر حلفاؤها على كندا وعلى دولة الاحتلال الإسرائيلي وعلى ست دول أخرى ثلاث منها لا تكاد ترى بالمجهر على خريطة الكرة الأرضية، من بينها دولة تدعى ناورو ودولة أخرى تدعى مكرونيزيا. عندما تقف الولايات المتحدة، التي كانت ذات يومٍ بعيدٍ تشكل أمل الشعوب المضطهدة في التحرر والانعتاق وأمل الدول المحتلة والمستعمرة في نيل استقلالها، فإنها تصبح هي الدولة المحتلة لوطن الشعب الفلسطيني مادامت تتصرف وتصوِّت على أنها إسرائيلية أكثر من إسرائيل نفسها، فالمعروف أن قرار الجمعية العمومية التاريخي الأخير اقتصر على ما احتله الإسرائيليون من أرض الفلسطينيين في حرب يونيو (حزيران) عام 1967، وأن قرارات مجلس الأمن الدولي السابقة ومن بينها قرار التقسيم المعروف والشهير قد أصبحت نسياً منسياً، وأصبح قبل ما احتل في هذا التاريخ الآنف الذكر بحكم الأمر الواقع!لماذا بادرت الولايات المتحدة إلى اتخاذ هذا الموقف المخزي الذي اتخذته في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأخير مادامت تقول إنها ضد ضم أراضي الغير بالقوة ومادامت صاحبة مبادرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة على أرض الشعب الفلسطيني التي احتلت في عام 1967؟ والجواب واضح وضوح الشمس، وهو أنها كاذبة في كل هذا الذي تقوله، وأنها مع احتلال أراضي الغير بالقوة وأنها أكثر صهيونية من الدولة الصهيونية، وأنها العدو الحقيقي والفعلي لشعوب هذه المنطقة!إن ما سمعه العرب والفلسطينيون والمسلمون والعالم كله من وزيرة خارجية أميركا هيلاري كلينتون ومن المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس أكثر رعونة وعدوانية مما قاله مندوب الدولة المحتلة رون بروسر، وهذا يجعلنا نقول لمن يسألنا من الأميركيين لماذا تكرهوننا؟ ولماذا لا نكرهكم، والمقصود هنا هو مرة أخرى ليس الشعب الأميركي الطيب بل هذه الإدارة البائسة ومعظم الإدارات التي سبقتها، لأنكم ترتكبون كل هذه الحماقات، ولأنكم أكثر تأييداً للاحتلال الإسرائيلي من الإسرائيليين أنفسهم، ولأنكم سقطتم كل هذا السقوط الأخلاقي والسياسي.