في تاريخ أي أمة من الأمم أيام وحوادث ليست كبقية الأيام والحوادث، ومؤكد أن أقطار الوطن العربي، من المحيط إلى الخليج، تعيش منذ بزوغ فجر العام الماضي حتى يومنا الراهن أحداثاً جساماً ستطبع مستقبل أيامها بميسمها المختلف.

Ad

أحداث مهولة مرت على الوطن العربي خلال القرن العشرين، أهمها الثورات التحررية العربية، ونكسة فلسطين عام 1948، والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وهزيمة حزيران 1967، وغيرها كثير، في كل هذه الحوادث لم تكن وسائل الإعلام متقدمة كما هي اليوم، ولم يكن الإعلام العربي صادقا، لذا عاش الإنسان العربي مُستغفَلاً، يتلقط ما تيسّر له من الأخبار حول تلك الحوادث، لكنه حين وقف على حقيقة عوالمها الكارثية تالياً، انكشفت الأمور له، ووجد نفسه يخوض في غمار طين الواقع، ويصبغ الأسى يومه ومستقبل أبنائه.

لقد عاش المواطن العربي مُبعداً ومُغيباً عن الحدث السياسي والعسكري والاقتصادي الذي يؤثر في حياته لعقود، لكن ثورة التكنولوجيا الإنسانية المتطورة، دخلت إلى حضنه، رغما عن رضا وموافقة السلطات الدكتاتورية الظالمة، وتحديداً في السنوات العشر الأخيرة، حين أطل المواطن العربي على العالم من خلال ثورة المعلومات والاتصال، ومواقع شبكة الإنترنت، ومحركات البحث، ومن خلال محطات فضائية عالمية وعربية، تلاحق الحدث ليل نهار، وتبث برامجها على مدار الساعة. لحظتها أصبح الكمبيوتر والتلفون النقال، ولاحقاً شبكات التواصل الاجتماعي وأفلام "يو تيوب"، هي صديقة المواطن العربي الصدوق، ولحظتها صار المواطن العربي، في أصغر قرية من أقطار الوطن العربي، يعرف تماماً ما يدور من حوله، ويميّز بين كذب وزيف ادعاء السلطة وحقيقة الواقع!

لقد بات المواطن العربي وجها لوجه أمام الحقيقة العارية، حقيقة الحدث الدائر لحظة بلحظة، وصار على وصل واتصال بالحدث وبأصدقاء حول العالم، يتصل ويتواصل ويتبادل المعلومات معهم، وهو لا يعرفهم، لكنه وهم شركاء في الحياة وشركاء في الإنسانية وفي تمني السلام والخير والرفاهية لبني البشر.

ثورة المعلومات والاتصال، وضعت الإنسان وجهاً لوجه أمام الحدث الدائر، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وفنياً ورياضياً، لكنها في جانبها الأعم لا تنشر إلا أخبار الدمار والكوارث والحروب والموت، لذا أصبح الإنسان، في كل مكان، يعيش محاطاً بأخبار الوحشية والعنف الأعمى. وبسبب ذلك يبرز بين وقت وآخر سؤال: كيف تراه يكون شكل الحب والعشق في هذا الزمن؟ وهل مازال هناك حب وعشق؟

الحياة في درب سيرها لا تلتفت إلى حدث جلل هنا أو هناك، فهي كانت ومازالت وستبقى، تحوي في حضنهاالحب قبل الكره، والوصل قبل القطع، والعيش قبل الموت. لأن في الحب والعشق حياة، ولا يمكن للحياة أن تقف ضد نفسها. صحيح أن العالم يموج بالعنف، ويموج بالوحشية، ويموج بالقتل، لكنه العالم نفسه، مليء بالحب، ومليء بالمشاعر الأجمل، وقبل هذا وذاك مليء بالأمل، ووحده الأمل من يضمن للحياة صيرورة بقائها!

أقطار وطننا العربي تمرّ بمنعطف ميلاد جديد. منعطف يخبئ من السر بقدر ما يكشف من الحدث اللحظي، وهي تئن تحت وطأة العنف والدم، وتندب ليل نهار الأمهات أبناءها القتلى، وتبتلع الأرض العربية مزيداً من جثث الشهداء والقتلى، لكن شمس الحياة التي تبزغ كل يوم، تأبى إلا أن يكون الحب حاضراً يعمّر قلوب الملايين، ويرسم الأمل الأخضر أمامهم.

سيجتاز وطننا العربي المحن، وسينزع جلده البائس، وسيلبس جلداً آخر أكثر حرية وديمقراطية وتطوراً يساير اللحظة الإنسانية. وستكمل الأجيال القادمة المسيرة الصعبة، وسيولد وطن عربي جديد، وكل هذا لا يأتي إلا بالحب، فالحب وحده هو عنوان الحياة الأجمل!