منذ أكدت المنطقة العربية أن مزاجها العام، في أعقاب ما عُرف بـ"ثورات الربيع العربي"، يصب بوضوح في مصلحة الإسلاميين بتياراتهم المختلفة، يثور الجدل حول صحة هذا التوجه من عدمه، ويغطي على غيره من المقاربات الجادة والأكثر عمقاً، خصوصاً تلك التي تستهدف تقييم قدرة هؤلاء الإسلاميين على التصدي للتحديات التي تواجه بلدانهم، بأكثر ما تركز على الإجابة عن السؤال: لماذا صعدوا؟

Ad

تبقى حقيقة أن الإسلاميين فازوا في الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي جرت في كل من المغرب وتونس ومصر والكويت، ساطعة لا تقبل الجدل، وهي حقيقة تمكننا من ترجيح فوز نظرائهم في الانتخابات المنتظرة في البلاد العربية؛ سواء أكانت انتخابات برلمانية أو حتى رئاسية تجري للمرة الأولى في أعقاب التغيير الحاد الذي عرفته المنطقة، إذا استطاعوا إقناع الجمهور بأدائهم السياسي.

لقد انشغل المجال العام في العالم العربي بمحاولة تحليل أسباب صعود الإسلاميين وهزيمة منافسيهم، كما انشغل جزء مؤثر منه بالانزعاج والقلق نتيجة هذا الصعود، لكن معظم هذا الانزعاج صب للأسف على الشق الإيديولوجي أكثر مما تعلق بالجانب الوظيفي السياسي.

ما زال الوقت مبكراً بالطبع لإصدار أحكام مبرهنة أو مبررة على أداء الإسلاميين في المؤسسات التشريعية التي باتوا يتمتعون فيها بأغلبية واضحة، لكن ثمة مؤشرات تمكننا من استنتاج المحصلة النهائية لهذا الأداء، إذا مضت الأمور في المسار الذي اتخذته منذ اليوم الأول.

فإذا اتخذنا الحالة المصرية أنموذجاً في هذا الصدد، لظهرت عوامل إحباط شديد، بسبب الأداء غير المبشر للإسلاميين في مجلس الشعب المصري (البرلمان)، حيث باتوا يتمتعون بأغلبية تصل إلى أكثر من ثلثي الأعضاء، في حال احتسبنا ما حصدته جماعة "الإخوان المسلمين"، ممثلة في ذراعها السياسية "حزب الحرية والعدالة"، إلى جانب "الدعوة السلفية"، ممثلة في ذراعها السياسية "حزب النور".

لقد ظهر العوار جلياً في أداء الإسلاميين في اللحظة الأولى التي اجتمع فيها مجلس الشعب المصري بعد تشكيله في أعقاب الانتخابات التي جرت مرحلتها الأولى في نوفمبر الفائت، حيث أصر عدد من نواب حزب "النور" على التلاعب في اليمين الدستورية التي لا تتم صحة إجراءات العضوية من دونها.

وكان مثيراً للانتباه حرص عدد من النواب السلفيين على إضافة عبارة "بما لا يخالف شرع الله" إلى تلك اليمين الدستورية، وهو الأمر الذي دعا رئيس المجلس إلى التشديد على النواب بضرورة التزام نص اليمين من دون جدوى.

تلك إذن مخالفة تبدو شكلية، رغم أنها أغرت نواباً ليبراليين آخرين بإضافة عبارة إلى نص اليمين أيضاً تتحدث عن عدم التفريط في دماء شهداء الثورة، وهو الأمر الذي كشف عن حال "التربص الإيديولوجي" التي انطلق منها بعض النواب من الجانبين.

لم تكد تمر عاصفة إضافة عبارة "بما لا يخالف شرع الله" إلى اليمين الدستورية، حتى قام نائب سلفي آخر برفع الآذان بصوت عال خلال جلسة من جلسات المجلس النيابي، مشوشاً على الأعضاء، وضارباً عرض الحائط بمناشدات رئيس المجلس له للتوقف عن رفع الآذان.

لقد تم تسليط الأضواء بشدة على هاتين الواقعتين، وخصصت وسائل الإعلام لهما جانباً كبيراً من ساعات البث وصفحات الصحف، وتلقفهما "الإعلام الجديد" ليصنع منهما "ملهاة" مستديمة عبر وسائطه الاجتماعية المختلفة، في وقت لم يتم تسليط الضوء فيه على قضايا تعد أكثر أهمية.

فإذا كنا سنحاول أن نحلل تجربة الإسلاميين في البرلمانات العربية بالتطبيق على الحالة المصرية، خصوصاً بعدما مرت أسابيع عديدة على احتلالهم مقاعدهم النيابية، وتشكيلهم اللجان المتخصصة داخل البرلمان، فيلزمنا أن نركز على الشق السياسي في أدائهم، خصوصاً ما يتعلق برؤاهم لمواجهة التحديات الصعبة التي تعرفها مصر بعد الثورة، وقدرتهم على طرح البرامج والسياسات ووضع التشريعات التي يمكن من خلالها تحقيق التقدم والإنجاز الذي انتخبهم الجمهور من أجله.

يمكننا إذن أن نستعرض أداء الإسلاميين في البرلمان المصري في ما يتعلق بملف التعليم؛ خصوصاً أنه أحد أهم الملفات التي تشكل تحدياً للدولة المصرية في أعقاب الثورة من جهة، ولأن الإسلاميين شديدو الاهتمام بهذا الملف على مر تاريخهم، باعتباره ينتمي إلى الجانب "التربوي"، الذي يعتقدون أنه البداية الصحيحة للوصول إلى "أستاذية العالم"، عبر بناء جيل جديد قادر على الإنجاز وحصد النجاح وتحقيق الريادة.

أول واقعة رشحت عن أداء الإسلاميين في البرلمان المصري في ما يخص ملف التعليم تمثلت في مطالبة نائب سلفي بـ"إلغاء تعليم اللغة الإنكليزية في المدارس"، معتبراً أن تعليم تلك اللغة بمنزلة "مخطط خارجي".

لقد أصيب المجال العام في مصر بصدمة حقيقية عندما تفوه ذلك النائب بتلك المطالبة، وهي صدمة لم تستثن الحزب الذي ينتمي إليه، والذي سارع إلى التبرؤ مما أتى به نائبه، بل وإلى لومه وتقريعه علناً.

أما الواقعة الثانية، فإنها أكثر دلالة، وإن كانت أقل شهرة، وهي واقعة تقدم حزب "الحرية والعدالة" بمشروع قانون لـ"تطوير التعليم"، وهو المشروع الذي قال عنه مسؤول ملف التعليم بالجماعة لصحيفة "الشروق الجديد"، إن "من أعده أساتذة متخصصون في جميع المواد".

يطالب الحزب من خلال المشروع، كما نشرت "الشروق الجديد" في عددها الصادر في 10 مارس الماضي، بـ"إضافة مادة التربية الدينية إلى المجموع الرسمي في المرحلتين الابتدائية والإعدادية"، والإبقاء عليها كمادة "رسوب ونجاح".

ويطالب أيضاً بـ"توزيع المتخصصين الاجتماعيين من الإناث على مدارس البنات، والذكور لمدارس البنين، إضافة إلى مشرفي الرحلات"، و"مراعاة الالتزام باللباس الشرعي بالنسبة إلى الفتيات، والمتمثل في الزي المدرسي العادي، وأن يكون فضفاضاً مع وضع غطاء عادي على الرأس". وقد تطرق المشروع كذلك إلى ضرورة "تخصيص غرفتي تدريس في المدارس؛ إحداهما للمدرسات وأخرى للمدرسين، أو مراعاة عدم الخلوة بين المدرسين إذا لم تتوافر غرفتان"، ومراعاة "الضوابط الشرعية مثل عدم الاختلاء سواء بين المعلم والطالبة، أو المعلمة والطالب، أو المعلم والمعلمة".

تلك هي الملامح الأساسية إذن لفكر الإسلاميين في البرلمان المصري إزاء تطوير التعليم في هذا البلد؛ وهي ملامح كما يظهر بوضوح لا تخرج عن إطارين رئيسين؛ أولهما: فهم قاصر وطائش لدور اللغات الأجنبية في تدريس العلوم، بل ومناقض لما استقر عليه الاقتراب الإسلامي الصحيح في هذا الصدد، وثانيهما: يعكس تصوراً غريباً يختزل عملية إصلاح التعليم في "رداء الطالبات، ومنع الاختلاط".

إذا استمر الإسلاميون في طريقة الأداء تلك نفسها في برلماناتنا العربية، فإنهم بالتأكيد لن يحصدوا أصوات الجماهير في أي انتخابات مقبلة؛ وهي خسارة لن يسهل عليهم أبداً تعويضها.

* كاتب مصري