لو تابعنا أسباب تراجع الكويت في مجالات عدة وفي مقدمتها الشأن السياسي لأمكننا وضع الأسباب التالية في المقدمة:

Ad

1- الخلاف داخل الأسرة الحاكمة.

2- عدم وضوح الرؤية المستقبلية للكويت.

3- ضعف الإدارة الحكومية.

4- طموح القوى السياسية.

5- سوء التمثيل والأداء النيابي.

نواحي القصور الأخرى هي نتاج لهذه الأسباب متى ما حلت يمكن علاجها في فترة قصيرة، وأعني بها تدني التعليم والصحة وخدمات الدولة الأخرى.

وأعتقد جازماً أن لكل أسباب التراجع حلولاً بسيطة يمكن أن تزال لو خلصت النوايا، ووضعنا مصلحة الكويت فوق كل المصالح الأخرى:

1- الخلاف داخل الأسرة الحاكمة:

يمكن القول إن الخلاف اشتد عندما أُبعد طرف في العائلة عن تداول السلطة بعد أن كانت بالتناوب بين طرفين رئيسين، ويمكن أن يزول هذا الخلاف لو عادت سياسة التناوب بينهما، بحيث يقدم كل جانب أفضل المرشحين للوصول إلى إمارة البلاد، وأن يتفقوا على فترة محددة لبقاء الأمير في منصبه؛ كأن يظل لمدة 8 سنوات أو اثنتي عشرة سنة على الأكثر، وألا يكون قد تعدى الستين عاماً عند استلامه للقيادة.

وتحدد العائلة بالاتفاق مع مجلس الأمة الشروط الواجب توافرها بالمرشح لولاية العهد، وفي مقدمتها النزاهة والعدالة، وأن يكون ذا رؤية مستقبلية واضحة، وأن يتمتع بصفات قيادية جيدة، وأن يتم الاتفاق على كيفية تغييره لو ظهر ضعفه أو سوء إدارته أثناء فترة حكمه، ومن شأن هذا أن يزيل حالة الاحتقان والتنازع ويدعم دولة العدل والقانون واستمرار نظام الدولة.

أعتقد أن إعادة النظر في قانون توارث الإمارة قد يغني عن كل الأطروحات المثيرة للجدل هذه الأيام التي أدت إلى مزيد من التراجع في الأوضاع السياسية في الكويت.

2- عدم وضوح الرؤية المستقبلية:

نتحدث كثيراً ونقرأ عن خطط خمسية أو عشرية، وتقام لجان ومجالس لخطط التنمية، ولكننا لم نر أي تنمية حقيقية؛ وذلك لغياب رؤية مستقبلية يكون هدفها وغايتها بناء دولة حديثة توفر مستقبلاً مطمئناً يضمن استمرار الوجود بعد نضوب النفط. رؤية تبين أن التنمية ليس في بناء البنايات والصرف من الميزانية على مشروعات استهلاكية مؤقتة لا علاقة لها بمستقبل الكويت ونهضتها. لا بد أن يكون لهذا البلد تصور واضح وخطة مرسومة لكويت ما بعد النفط، وفي العالم دول كبرى ليس فيها نفط غير ما تستورده وضعيفة في كل الموارد الطبيعية ومع ذلك تتصدر العالم في منتجاتها وعلومها ومصانعها.

لا نريد خططاً دعائية تنفق على الشكل بدون مضمون بل رؤية تطمئن كل مواطن على مستقبله ومستقبل ذريته تتحول فيها الكويت إلى بلد منتج، وتزيل عن نفسها أسباب الكسل والتواكل والاعتماد على مصدر دخل مؤقت.

3- ضعف الإدارة الحكومية:

مع وجود أمثلة جيدة للإدارة الحكومية في أكثر من مرفق إلا أن هناك خللاً واضحاً في إدارة أعمال الحكومة، حتى وصل الأمر إلى حال لا تطاق.

فقد استشرت الرشوة والفساد في معظم دوائر الحكومة وغاب التخطيط والتنفيذ والمتابعة الدقيقة لأعمالها، لقد انحدرت خدمات الدولة إلى مستوى مهين للمواطن محلياً، ولسمعة الكويت في المنطقة والعالم؛ لذا يتعين اختيار الوزراء ذوي الكفاءة ومتابعة أدائهم وتنفيذهم لخطة تنموية ونهضة حقيقية ضمن برنامج واضح لعمل الحكومة هدفه الأول تحقيق هذه التنمية، وإلغاء كل المعوقات أمام المبادرات الخاصة والمبدعين في دوائر الحكومة لتبسيط خدمة المواطنين وتسهيلها، واستخدام الأدوات الحديثة في تقديم هذه الخدمات.

إن القضاء على الفساد لا يتم إلا بتحمل كل موظف مسؤولية عمله ومنحه الثقة والفرصة لتطوير وسائل وطرق التنفيذ، والنهضة لا تتم إلا بإدارة كفؤة وإرادة حرة حازمة.

4- طموح القوى السياسية:

اختلطت المطالبات السياسية بين العام والخاص، وبين الجد والهزل والعبث واستغلال ضعف أداء الحكومة، فبعض المطالب تعتبر استحقاقات متوقعة بعد خمسين عاماً من العمل بالدستور خصوصاً إذا كانت باتجاه المزيد من الديمقراطية والمشاركة الشعبية في إدارة البلاد، لكن ظهرت مطالبات بالاتجاه المعاكس تريد تغيير الاتجاه وتحويل البلاد إلى دولة دينية يشجعها ويحفزها ما حدث في بعض البلاد العربية.

كما ظهرت اتجاهات تحركها قوة فئوية أو رغبة في المشاركة في الحكم، وشاهدنا توجهات طائفية تسعى إلى تمزيق المجتمع وإشعال الفتنة.

إن معالجة نواحي القصور السابقة من شأنها أن تحد من هذه الفرقة وإنهاء التعصب وأصحاب النوايا السيئة، وأمام الكويت فرصة كبيرة للخروج من الأزمات الحالية بالاتفاق على الحلول الثلاثة السابقة. فلا نريد أن تضيع بلادنا في جدال وصراخ لا هدف واضحا لهما أو يكون هدفهما غامضاً؛ نريد الاتفاق على إزالة أسباب التراجع.

لذلك فإن على جميع الشباب والأحزاب والتجمعات والقوى الشعبية أن يضعوا مصلحة الكويت ومستقبلها أمام أعينهم، ويعودوا إلى ممارسة دور فعال والتقدم إلى الأمام من خلال المؤسسات والممارسات الديمقراطية، فطموح وأطماع بعض الأطراف لن يؤديا إلا إلى المزيد من التأخر والانشقاق ومزيد من التراجع.

5- سوء التمثيل والأداء النيابي:

تغير عدد الناخبين بزيادة كبيرة عن مراحل التأسيس الأولى كما تغيرت مناطق الكويت وتقسيماتها الإدارية، وتم في مرحلة تقسيم الدوائر من عشر إلى خمس وعشرين، وحين طالب الشباب بتغيير عدد الدوائر الانتخابية إلى خمس تجاوب مجلس الأمة والحكومة، لكن تحديد المناطق التابعة لكل دائرة شابه عيوب أدت إلى نتائج فئوية سببت استقطابات وتكتلات وانشقاقات في المجتمع وتراجعاً في أداء مجلس الأمة.

إنني على يقين أن عدد الدوائر والتقسيمات ليسا سبباً في كل ما حدث لو كنا نعي ونؤمن بالديمقراطية والتعددية والدور الحقيقي لمجلس الأمة، لكن التعصب والجهل بأصول الحراك الديمقراطي سبّبا هذه التكتلات والتقسيمات، وأصبح ممثل الدائرة لا يرى من شعب الكويت وحقها إلا دائرته وناخبيه.

ولذلك طغت المطالب القبلية والطائفية والفئوية على مصلحة الكويت والكويتيين عامة، وتحول النقاش والمطالب واستخدام أدوات الرقابة والتشريع إلى خدمة لهذه المصالح، وغابت الرؤية الشاملة لمستقبل الكويت وطموح الناس في المزيد من الديمقراطية، ووجدت قوى الفساد فرصة في هذا التقسيم حتى وصل الأمر إلى "فضيحة مجلجلة" برشوة نواب وقبولهم الرشوة من أجل الاصطفاف وراء الراشين في المشروعات والتشريعات وتمرير خطط فاسدة.

إن الشعب الكويتي مطالب بتصحيح هذا الخلل، وذلك بترشيح واختيار العناصر الأفضل؛ نواب يدركون دورهم الصحيح في التشريع والرقابة ولهم رؤية واضحة لمستقبل الكويت ومستقبل أبنائنا.

ليت شباب الكويت يتفقون على ميثاق وطني وأهداف واضحة، فقد تكون أسباب التراجع المذكورة هنا وغيرها نقطة انطلاق لاختيار أفضل لمجلس الأمة القادم، ويكون الميثاق مقياساً لأداء المجلس وأعضائه.