هنالك موجة قوية في الأوساط العلمية لاعتبار "الإيمان" غريزة في الإنسان، فمنذ أبعد أثر للحضارة الإنسانية نرى مؤشرات واضحة لأديان وآلهة اختلفت في تعقيدها وانتشارها، وهنالك دراسات عدة تؤكد وجود ارتباط واضح بين الإيمان والسعادة وهو أيضا استنتاج منطقي. فالإيمان- خصوصاً الديني- يعطي المؤمن شعوراً بالراحة والأمان ويقدم إجابة حاسمة لكثير من الأسئلة المعقدة كالغرض من الحياة والهدف من الوجود، كما يحمي المؤمن من كل المخاوف الطبيعية كالخوف من الموت وما بعد الحياة.

Ad

والارتباط بجماعة دينية يغذي في المؤمن الشعور بالانتماء ويعطيه شبكة اجتماعية تؤمِّن له احتياجاته النفسية، والمعتقد قد يحمي صحة المؤمن بتشجيع النظافة والحياة السليمة وبتحريم الضرر كاستهلاك الكحول أو التدخين وحتى اللحوم في بعض الديانات، كما أن معظم الطقوس الدينية لها أثر دوائي وهمي (Placebo effect) يحمي المؤمن من كثير من الأمراض النفسية والعضوية.

والإيمان حاجة نفسية تطورية للأطفال خصوصاً لمرحلة ما قبل المراهقة... فالإيمان يحمي عقولهم الصغيرة من التوتر والخوف الذي تسببه الأسئلة الكبيرة مثل لماذا خلقت؟ كيف ومن خلق الكون؟ لماذا تحل بنا المصائب؟ لماذا يموت من نحبهم؟ ماذا كان هناك قبل الخلق؟ أين ينتهي الكون؟... وغيرها، ويعطيهم الشعور بالحماية والوقاية التي قد يعجز عن توفيرها الوالدان.

ومع ذلك نجد أن كثيراً من الأديان والمعتقدات تفشل في تحقيق هذه السعادة والطمأنينة في قلب الكثير من المؤمنين، بل العكس نجد الكثير منهم يتملك قلبه الغضب والحقد والكراهية، ونراهم أكثر الناس توتراً وأقلهم استمتاعاً بالحياة، وقد يعود ذلك إلى ضعف إيمان البعض، أو إلى تشوه معتقداتهم عن أصلها، أو إلى وقوعهم ضحية لمن يستغل إيمانهم لأغراض أخرى دنيوية، أو كما يحدث مع الأطفال يكبرون وتكبر عقولهم ولا يقنعون بالأجوبة المعلبة الجاهزة فيبقون في صراع خفي مع إيمانهم.

والدراسات التي أثبتت الرابط بين الإيمان والسعادة تؤكد أنه ليس بالضرورة أن يكون الإيمان بدين منظم، فالإيمان قد يكون بفكرة أو مبدأ أو فلسفة أو حتى نظرية علمية، وقد لا يقتصر على إله بل قد يكون إيماناً بشخص أو مهارة أو ببساطة إيماناً بالنفس.

 فما يسمى بالديانات الحديثة يدعو إلى الإيمان بالطاقة الكونية أو بالروح البشرية كرابط بالكون ومخلوقاته كافة، وتؤمن تلك الديانات نفس "المزايا" التي توفرها الديانات التقليدية من شعور بالطمأنينة والانتماء والصحة العقلية والبدنية.

وحتى يوفر لنا الإيمان هذه السعادة والطمأنينة المنشودتين لا بد أن يتسق وعقولنا... بمعنى ألا يتنافى مع العلم والمنطق، كما يجب أن يساعدنا هذا الإيمان على التسامح وتقبل الآخر لا أن يعزز لدينا التمييز والاستعلاء والحس النخبوي، ولا بد أن يمهد لنا هذا الإيمان طريق الحب... حب الذات وحب الآخر، لا أن يشعرنا بالذنب أو الخجل من أنفسنا... فلنؤمن بالحب والسلام والتواضع!