درس في جوهر الدين

نشر في 03-09-2012
آخر تحديث 03-09-2012 | 00:01
No Image Caption
 فوزية شويش السالم رائعة مسلسلات شهر رمضان لهذا العام 2012 كانت جوهرة قيمة، راحت تُعمر وتبقى في سجل الأعمال الفنية الخالدة، والمسلسل هو تحفة الممثل المبدع الكبير "يحيى الفخراني" أو الخواجة عبدالقادر، الذي أمتعنا وأبهرنا وأقنعنا تماما بأنه هو الخواجة عبدالقادر الرجل الإنكليزي التائه والضائع في جفاف حياة لم يجد لها أي جدوى أو معنى في تياهان وجود خال من القيم الروحية، إلا من بعد أن غُمر قلبه بنور الحب الإلهي، وجلي نفسه من كل أدرانها وأحزانها ووجودها العبثي، وأوجدها في عالم الحب الفياض الغامر الأرض بطولها وعرضها بنوره الساطع، ليحول هربرت الرجل الإنكليزي الذي لا يفيق من سكر خمرته إلى الخواجة عبدالقادر الذي أدرك حب الله ومعرفته به عن طريق الخبرة والمعرفة والتجربة الروحية والحسية، التي قادته إلى جوهر الإيمان الحقيقي بالله، وليس عن طريق التلقين والحفظ الإجباري، فالخواجة عبدالقادر وصل بحسه الصادق الفطري إلى لب روح التعاليم الإلهية، فتواصل مع ربه بهذا الإيمان المطلق النقي الصافي الذي لا يغلق بابه بوجه من عرف دربه إليه، وأعطى الخواجة عبدالقادر درسا بليغا في جمال التواصل الشفاف الصادق البريء المتكل تمام الاتكال على الله في عفوية بعيدة عن التشنج والتعنت والتصلب في فرض الأقوال والأفعال والطاعة القسرية التي تتخذ العبادة في مظهرها وليس في جوهرها، لذا اخترق الخواجة عبدالقادر قلوب المشاهدين بهذا الصدق الطفولي الشفاف لحد رقرقة الدموع في عينه التي أنست المشاهد أنه ليس حقيقة، ولكنه تمثيل التبس علينا الفصل ما بين الحقيقة والتمثيل، فقد بلغ يحيى الفخراني ذروة التمثيل الفني لدرجة أعتقد أنه نفسه قد نسي نفسه، وأنه لم يعد يدرك الخيط الفارق ما بينه وبين الخواجة ذاته، فقد ذاب يحيى الفخراني في الخواجة عبدالقادر، كما ابتلع الفخراني الخواجة في داخله، وهذه هي القمة أو الذروة التي يصل إليها الفنان الكبير بفنه، فتحية لعبقرية فنان أدرك واحترم بجدية فنه، فأعطاه الفن مجده كله.

والمدهش أيضا الإخراج الذي قام به شادي الفخراني، وهو ابن يحيى الفخراني والذي يدل على موهبة مثقفة حقيقية جادة وجديدة في أسلوب الإخراج التلفزيوني، فقد كان الإخراج سينمائيا بجدارة كاميرات تنقل مشاهد لصحراء ممتدة واسعة، ومناطق تصوير مناسبة تماما لتوقيت زمنها ومكانها، وحركة كاميرا رائعة ورائقة، متفقة ومتسقة مع مضمون وفكر وهدف المسلسل، فنقلته بأمانة وجدارة عجيبة وخاصة في مشاهد الصحراء ومقالع الأحجار، ومشهد الطائرة والقطار وحلقات الذكر الرائعة المغناة بشعر قصيدة الحلاج العظيمة التي صاحبت الحضرة:

والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي

ولا خلوت إلى قوم أحدثهم إلا وأنت حديثي بين جلاسي

ولا ذكرتك محزونا ولا فرحا إلا وأنت بقلبي بين وسواسي

ولا هممت بشرب الماء من عطش إلا رأيت خيالا منك في الكاسي

ولا قدرت على الإتيان جئتكم سعيا على الوجه أو مشيا على الراسي

فشكرا لكل من عمل وقدم لنا هذا الإنتاج الفني الممتع والهادف الذي كشف عن سماحة وجوهر الدين ورحمانيته بسلاسة العرض التمثيلي القادر والمقنع على فهم روح الإسلام بعيدا عن دروس الوعظ والإرشاد الجافة التي لا تخترق الروح ولا تقنع العقل ولا تتغلغل إلى العاطفة.

مسلسل الخواجة عبدالقادر كان سيد المسلسلات لهذا العام، وبطله يحيى الفخراني ممثل لم يخذل مشاهديه، فكل أعماله هي درجات ارتقاء في صعود مستمر على سلالم المجد الفني، وجاء الخواجة عبدالقادر ليكون القمة لها مما يزيد من عبء الدور القادم للفخراني ويضعه في محنة التجاوز في الاختيار.

ويلي مسلسل الخواجة في الجودة مسلسل "نابليون والمحروسة" الذي تناول فترة غزوة نابليون لمصر سنة 1798 في حملة استمرت ثلاث سنوات وباءت بالفشل، والمسلسل سرد الأحداث كما حدثت، وكنت أتوقع أن يضفي عليها المخرج القدير شوقي الماجري تفسيرا أو تحليلا فلسفيا لنقاط معينة وليس إعادة سرد ما جرى فيها، وإن كانت كاميراته قد أجادت نقل حياة الزمان والمكان في القرن 18 بجودة رائعة نقلت المشاهد تماما إلى ذاك الوقت، لكن مع هذا كان السرد تكرارا لكل ما شاهدناه وعرفناه من قبل.

back to top