لا شك في أن المرض هو أسوأ كابوس يواجهه الإنسان، لا سيما إذا كان خطيراً ويطرح تهديداً على الحياة. لا يخاف الفرد على نفسه من المرض فحسب، بل على الأشخاص المقربين منه أيضاً. عندما يكون الآخر مريضاً، يكون رد فعلنا مفاجئاً أحياناً. إليكم بعض النصائح لتكونوا خير عون لأحبائكم.

Ad

قد يطاول المرض أحد الأبوين أو الشريك أو الأبناء في أسوأ الحالات. باختصار، إنه شخص عزيز علينا ولا نريد فقدانه من حياتنا. قد يكون الفرد مستعداً نفسياً لفقدان أحد الوالدين على رغم صعوبة الأمر لأنه مسار الحياة الطبيعي، لكنه يشعر بظلم كبير إذا أوشك على فقدان الشريك أو الابن. بالتالي، يؤثر عمر الفرد الذي يُصاب بالمرض على سلوكنا وردود فعلنا.

السرطان أحد أسوأ الأمراض التي يخشاها الجميع وهو منتشر على نطاق واسع. أصعب ما في الأمر هو أنه يظهر فجأةً وقد يصيب الجميع ويغيّر الحياة بالكامل. لكن تبرز أمراض صعبة أخرى مثل الزهايمر والباركنسون وغيرهما.

حين يمرض الشريك

عندما يمرض أحد الأبوين، يشعر الأبناء بالحنان والعطف تجاهه لأنهم يفكرون باحتمال خسارة هذا الشخص العزيز عليهم. لكن عندما يمرض الشريك، يكون الوضع أصعب لأن الحالة المَرضية تنعكس على الأسرة عموماً فيتزعزع توازن الثنائي. هكذا يصبح الخوف سيد الموقف بالنسبة إلى الزوجين معاً، وتتمحور تلك المخاوف حول عواقب المرض وتأثيره على الحياة الزوجية.

في بعض الحالات، ينهار توازن العلاقة الزوجية بشكل ملحوظ، تحديداً إذا كان الزوج مسؤولاً عن معظم شؤون الأسرة ويُعتبر العنصر الأقوى في العلاقة. بعد ذلك، يتوقف كل شيء على الطريقة التي يتفاعل فيها الشريك مع هذه الحالة المستجدة. قد تحافظ الزوجة على توازنها أو تفضل الهرب من الواقع أو تشعر بالغضب والخيبة واليأس. أو يمكن أن تمرّ أيضاً بمختلف المراحل التي تتراوح بين الأمل والإحباط.

تقبّل الوضع

يجب أن يتقبل الشريك الوضع الجديد لأنه لا يملك أي خيار آخر. يتوقف هذا الأمر على عوامل عدة:

• قوة الشخصية: يمكن أن تظهر هذه القوة في لحظات صعبة مماثلة. قد تتحلى المرأة التي تكون شخصيتها ضعيفة في الحالة الطبيعية (لأن زوجها اعتاد على تحمّل جميع المسؤوليات داخل المنزل وخارجه) بقوة مفاجئة تُظهر جانباً جديداً من شخصيتها. يحصل ذلك ببساطة بسبب غياب التوازن والاستقرار اللذين كانا يميّزان البيت الزوجي، ما يمهّد لظهور خصائص جديدة في شخصية الزوجة. لكن في المقابل، يشعر نوع آخر من النساء بالضياع والارتباك بسبب صعوبة التفاؤل بالوضع والتعامل بشكل طبيعي مع الشريك.

• الماضي الشخصي: من المعروف أن التجارب الماضية المتعلقة بالتعامل مع المرضى تؤثر على الوضع الراهن. بالتالي، يتعاطى الفرد بشكل مغاير مع المريض الآخر إذا كان الوضع جديداً عليه.

• البيئة الشخصية: لا شك في أن دعم الأسرة أو الأصدقاء المقربين يُعتبر ميزة إيجابية في هذه الأوقات العصيبة لأنه يسمح للفرد بالتعبير عن قلقه وألمه بطريقة صريحة. في ما يخص الأطفال، لا مفر من الشعور ببعض الضغط النفسي بغض النظر عن أعمارهم.

• نمط الحياة: تختلف ردود الفعل بين ربة المنزل والمرأة العاملة مثلاً. من الطبيعي أن ينغمس الأشخاص العاملون في مهماتهم اليومية وأن يتناسوا المشاكل التي تطاول حياتهم الزوجية خلال دوام العمل.

• تطور المرض: إذا أعطى الأطباء تشخيصاً إيجابياً، ربما يمضي الزوجان قدماً بسهولة أكبر. لكن عندما تكون الحالة خطيرة، يختلف الوضع لأن الزوجين يفكران باحتمال فقدان الشريك وما يترتب على ذلك من تداعيات على المستوى العاطفي والمالي والمهني. قد يستلزم بعض الحالات إدخال المريض إلى مركز طبي لتلقي العلاج. إنه قرار صعب فعلاً. حالما يعلن الطبيب عن وجود مرض خطير، يسود ارتباك عام يؤدي إلى زعزعة الحياة الزوجية بشكل دائم أحياناً.

حين يمرض الطفل

في هذه الحالة، يكون رد الفعل عنيفاً للغاية، تحديداً بالنسبة إلى الأم. فتثور مشاعرها وغريزتها على هذه الحالة الظالمة وغير المألوفة. يصعب أن تتقبل الأم رؤية طفلها يتألم. عند مواجهة وضع مماثل، تنقلب الحياة رأساً على عقب وتتشابه ردود فعل الأمهات عموماً: الاعتناء بالطفل طوال فترة علاجه بغض النظر عن نوع المرض ولو على حساب بقية أفراد الأسرة والأصدقاء.

يتغير الوضع وفق عمر الطفل ومدى وعيه لحالته والأمل بالشفاء. مثلاً، يكون الفرق شاسعاً بين طفل في الرابعة من عمره يعاني سرطان الدم ولا يدرك ما يحدث له وتكون فرص شفائه جيدة، وطفل في الثانية عشرة من عمره يعاني مشكلة في القصبات التنفسية. في الحالة الثانية، يكون الوضع طارئاً لأن الطفل يجب أن يتلقى العلاج سريعاً. لكن في الحالة الأولى، يصبح المرض جزءاً من اليوميات وتتمحور الحياة حول العلاج الطبي المتواصل.

مشاعر يصعب الاعتراف بها

من المألوف أن يشعر الفرد بأحاسيس وانفعالات قوية يصعب أن يعترف بها عندما تكون حياة الشريك مهددة.

• الضغينة: قد يشعر الفرد في المرحلة الأولى بالحقد تجاه المريض (إلا إذا كان المرض أصاب أحد الأبناء). إنه رد فعل مألوف مع أن أحداً لا يجرؤ على الاعتراف بذلك. يرغب الشخص في استعادة نمط حياته الطبيعي. لكن للأسف، يكون هذا الأمر مستحيلاً. لذا يبحث عن مذنب لإلقاء اللوم عليه وقد يصبح المريض ضحية هذه المشاعر أحياناً. إنه موقف غير منطقي لأن المريض ليس المسؤول عن حالته في الأساس، لكنه موقف طبيعي من الناحية النفسية لأن الشخص يريد التعبير عن مشاعره المكبوتة وإيجاد من يلومه.

لا تدوم هذه المشاعر لفترة طويلة، لكن قد يحصل العكس في بعض الحالات، لا سيما إذا قرر المريض بعد شفائه أو خلال مرحلة المرض أن يُحدث تغييرات جذرية في حياته الفردية والزوجية. لا يتقبل الشريك هذه التغييرات دوماً لأنه يشعر بأنه بذل قصارى جهده لتخطي تلك المرحلة الصعبة، لكنه مضطر أيضاً إلى مواجهة تداعيات تلك التجربة على المدى الطويل ومن دون أن يتمكن من التعبير عن رأيه في هذا المجال.

• الشعور بالذنب: إنه رد فعل مغاير تجاه المريض. تشعر الأم تحديداً بالذنب تجاه طفلها لأنها أنجبته إلى هذا العالم وكانت السبب في معاناته. أو قد يشعر الفرد بالذنب تجاه الشريك أو الأهل لأنه لم يتعامل معهم بالعطف الكافي في السابق أو لأنه لم يحقق أمنياتهم. تصبح هذه المشاعر قوية فجأةً ويصعب التعبير عنها أمام الشخص المريض. بسبب صعوبة التحكم بهذه الأحاسيس، يحتاج الفرد إلى التعويض عن النقص الذي يشعر به فيبالغ أحياناً في تقديم المساعدة والتضحية بالذات.

في بعض الحالات، ينجم الشعور بالذنب عن أسباب أخرى مثل تخيّل ما يمكن أن يحدث بعد وفاة المريض. يصبح الوضع أسهل عند مناقشة الموضوع مع الأهل أو الشريك. لكن عند التفكير بهذه الطريقة من دون التعبير عنها أمام الآخرين، يصعب تخيل الحياة من دون الشخص الآخر وتزداد الحالة النفسية سوءاً.

جميع هذه المشاعر طبيعية، لكن من الضروري التعبير عنها أمام طرف حيادي مثل صديق أو طبيب نفسي. يصعب التحكم بهذا الوضع بالنسبة إلى المريض ومحيطه ولا خطب في طلب المساعدة من أهل الاختصاص.