العلة ليست بالحكومة المعينة ولا بالدوائر
ما زالت الأغلبية المبطلة ماضية في استغفال الناس، والضحك على ذقونهم عبر المزيد من المسرحيات والشعارات البراقة الخادعة، وآخر صرعاتها هو رفع مطالب الحكومة المنتخبة والنظام البرلماني الكامل وتعديل الدوائر إلى دائرة واحدة بقوائم نسبية كمخرج من الأزمة المستمرة في البلد ولمحاربة الفساد. لكن الملاحظ أن نفس هؤلاء لم يرفعوا مثل هذه المطالب في الانتخابات الماضية، بل رفعوا شعارات إصلاح، وتعهدوا بإقرار قوانين معينة في حال وصولهم إلى المجلس، ولما سنحت لهم الفرصة ليقودوا دفة الإصلاح بعد أن أوصلهم الشعب بأغلبية مطلقة فشلوا في تحقيق كل تعهداتهم وانشغلوا بمعارك جانبية وفساد تشريعي ولغة حوار هابطة، ولذلك جاء رفعهم للمطالب الجديدة من باب الهروب إلى الأمام، وتحويل أنظار الناس عن الفشل الذي شاب أداءهم، كما نلاحظ أن هذه المطالب لم ترفع إلا بعد أن تعهدوا برفع السقف إن تم حل المجلس، أي أنها ورقة ابتزاز أكثر مما هي إيمان وقناعة راسخة بهذه المطالب.
وعند التطرق بموضوعية لهذه المطالب، نجد أن المطالبين بحكومة شعبية منتخبة يعتقدون أنها الحل السحري لحل المشاكل ومحاربة الفساد وترسيخ الاستقرار لكنهم واهمون، فأصل الفساد والأزمة الطاحنة التي يعيشها البلد ليس الحكومة المعينة ولا تقسيمة الدوائر بل هو الترف والدولة الريعية، ومن دون تغيير المعادلة الاقتصادية لن يكون هناك إصلاح أبدا.ففي الغرب ينتخب المواطن وهو يعرف أنه يضع وظيفته على المحك؛ لأن الحكومة التي ينتخبها قد تخلق أو تعدم وظائف حسب إدارتها للاقتصاد، كما أنه يدفع ضرائب تمنحه حق انتخاب من يراه مناسبا لإدارة أمواله وشؤون الناس. نعم هناك عوامل أخرى تتحكم بتصويت الناخب هناك، مثل قضايا الدين والهجرة وغيرها، لكن الأولوية دائما تكون للاقتصاد. ومثال واحد على ذلك هو التنافس بين أوباما وماكين على رئاسة أميركا، فقد كانا متعادلين تقريبا بالاستطلاعات حتى أغسطس 2008، لكن عندما بدأت الأزمة المالية العالمية بعد انهيار بنك ليمان براذرز، تقدم أوباما بفارق 10% في الاستطلاعات وفاز بسهولة. هذه هي الحال في الغرب، أما في الكويت فأغلبية المواطنين لديهم وظائف مضمونة في الحكومة بإنتاجية قليلة وجميع الخدمات مدعومة من ماء وكهرباء وبنزين وتموين، ونستجلب العمالة الأجنبية لخدمتنا في جميع المجالات، ولذلك لا يشعر الكويتي بتأثير المجلس في حياته. فلذلك ينتخب ابن طائفته أو ابن قبيلته لأنه ببساطة المسألة (مو فارقة وياه) فسواء وصل 50 عبقرياً أو 50 غبياً إلى المجلس فوظيفته مضمونة، ولذلك نرى أغلبية النواب يتسابقون على تدليع المواطن عبر الكوادر والزيادات والقوانين الشعبية غير المستحقة والمدمرة. وحتى الحكومة غير المنتخبة وجدناها تسابق النواب على تدليع المواطن، فارتفعت المصروفات 5 مرات خلال العقد الماضي، فهل تعتقدون أن مثل هذا الشعب سينتخب حكومة إصلاحية أم حكومة تقوم بتدليعه أكثر وتزيد المصروفات؟إن وضعنا مشابه جدا لحال شاب من عائلة ثرية وعوّده أبوه على تحقيق كل رغباته بدون تعب ودون دراسة أو تحمل مسؤولية، فهل مثل هذا الشاب قادر على تحمل المسؤولية وإدارة ثروة عائلته من بعد والده واتخاذ قرارات صائبة في حياته؟ أم سيكون سفيها يجب أن تتم مراقبة أفعاله؟ هذه هي حالنا وللأسف الشديد فنحن لسنا بقدر من المسؤولية بحيث نستطيع الآن انتخاب حكومة تصارحنا، وتحمي ثروة البلد والأجيال القادمة لأننا تعودنا على إبر النفط المخدرة، ولذلك لن تتغير مخرجات الانتخابات بتعديل الدوائر، ولن تنصلح حال الحكومة بانتخابها. فإذا كنا نريد حكومة منتخبة يجب بالبداية إلغاء ضمان الوظائف وتقليص الجهاز الحكومي، وتوجيه أغلب المواطنين للعمل الحر والقطاع الخاص، إضافة إلى تقليل أو إلغاء دعم الخدمات. حينها قد ينتخب المواطن الكفاءات التي تخدم البلد لأن جودة معيشته ستكون مرتبطة بنوعية النائب الذي ينتخبه، فعندها فقط تعالوا طالبوا بالحكومة المنتخبة.