مرحلة جديدة من الخلافات السياسية ستبدأ إثر صدور حكم المحكمة، لأنه سيصب لا محالة في مصلحة أحد طرفي النقيض في المعادلة السياسية الحالية؛ فإما لمصلحة كتلة «الأغلبية» التي ستحصل على دعم انتخابي يزيد من مطالباتها، وإما بإلغاء الدوائر، وهو ما سيؤدي إلى إصدار الحكومة لقانون انتخابي جديد يصعب أن يرضي الجميع.

Ad

تتجه الأنظار بلهفة وترقب وقلق وتفاؤل نحو إعلان حكم المحكمة الدستورية بشأن قانون الانتخابات تبعاً للدوائر الخمس، بعدما تفاوتت الآراء وانقسمت المواقف بشكل حاد على أكثر من صعيد بدءاً بمشروعية اختصاص المحكمة للنظر في هذا الموضوع مروراً بتفاصيله من حيث توفر أطراف النزاع والشواهد التاريخية على عدم توافر مبدأ العدالة في توزيع الدوائر الانتخابية في جميع القوانين السابقة، وانتهاءً بالنتائج السياسية المترتبة على حكم المحكمة ومنطوقه المنتظر اليوم.

قد يبدو للوهلة الأولى أن السلطة السياسية والتيارات والقوى السياسية ونواب مجلس الأمة والمرشحين المحتملين للبرلمان القادم والكويتيين بانتماءاتهم وميولهم الفكرية والاجتماعية المختلفة، صغاراً وكباراً ومستقبل البلد برمته وملامح الحياة المختلفة في الأيام القادمة ولعل مصيره، سيكون كل ذلك تحت رحمة كلمة واحدة تطلقها المحكمة الدستورية.

وأنه مع هذه الكلمة سيسدل الستار على أصول الخلافات الدستورية والقانونية والجدل بشأنها، وقد يكون هذا صحيحاً، لكن الحقيقة هي أن مرحلة جديدة من الخلافات السياسية والحراك الفعلي ستبدأ على الساحة وذلك لسبب واحد لا غير، وهو أن حكم المحكمة سيصب لا محالة في مصلحة أحد طرفي النقيض في المعادلة السياسية الحالية، فالحكم ببقاء الوضع الانتخابي على حاله سيعطي كتلة الأغلبية زخماً سياسياً قوياً قد تتبين نتائجه مع الانتخابات المرتقبة وما قد تحمل من مطالبات سياسية غير مسبوقة، الأمر الذي بالتأكيد يضع الحكومة في موقف ضعف لم تشهده سوى في فترة الغزو العراقي وما بعده، ولن يكون لها الخيار سوى الاستسلام وتقديم التنازلات السياسية الكبيرة أو إدخال البلد في لعبة جديدة من أجل تأجيل استحقاقات هذه المرحلة وبالنتيجة التصادم مع الشارع من جديد!

أما الحكم بإلغاء قانون الدوائر فبالتأكيد يعطي الحكومة نشوة الانتصار السياسي ويفتح شهيتها لطرح قانون جديد للانتخابات قد يكون من الصعب إرضاء الأطراف كافة من خلاله، والأخطر من ذلك ستكون أبواب التصعيد السياسي مشرعة بما في ذلك قرار مقاطعة الانتخابات واستمرار الاعتصامات والاحتجاجات، وبالنتيجة المزيد من الاحتقان الشعبي وهذه قد تكون السيناريوهات المخففة.

وأمام هذين البديلين، فإن حكم المحكمة الدستورية مهما كان لن يقدم أو يؤخر من طبيعة المشكلة السياسية القائمة التي لا يمكن أن تواجه وتعالج إلا بالحوار المباشر والصريح... هذا إن توفرت النوايا الحسنة أساساً!