المعارك قادمة

نشر في 26-08-2012
آخر تحديث 26-08-2012 | 00:01
 ناصر الظفيري ليس من جديد في قولنا إن مصر هي قلب الأمة العربية وإن عطاءها العلمي والثقافي والفني في القرن الماضي كان ومازال هواء شرايين الثقافة العربية. مصر مدرستنا الأولى وتلفزيوننا الأول وأول دار سينما ومسرحنا الأول وسياستنا الأولى، ورغم جميع خلافاتنا معها واختلافنا حولها تبقى هي الصدر الأرحب ومنارتنا الأبرز، وما في رقابنا جميعا من حق لها علينا ليس بإمكاننا نكرانه أو تجاهله، هذه مسلمة لا بد منها ونحن نناقشنها لنؤكد أنها ليست فقط الأم الكبرى ولكنها الضمير الأكبر لكل بلد عربي.

هذه المقدمة لا تعني أنه ليس من حقنا أن نناقش ما تمر به حاليا قدر ما تؤكد أن من حقنا، تماما كما هو حق أبنائها، مناقشة مستجداتها وما تعيشه من تغير سياسي سينعكس بكل تأكيد على كل جزء من الوطن العربي.

ثقافة مصر القادمة هي ثقافتنا القادمة وحركاتها الأدبية والفنية ومصيرها القادم هو ذات المصير الذي ستؤول اليه حركتنا الأدبية والفنية، وحرصنا على مساحة الحرية التي لا بد أن تتوافر للمثقف المصري هو حرصنا على مساحة الحرية التي نتنفسها، وانسداد شرايينها المعرفية والثقافية هو ضمور لجميع صور الحياة الأدبية في محيطها العربي.

مصر الجديدة اليوم وبعد حركة التغيير الكبرى فيها تمر بحالة من الصراع الفكري أولا وليس الصراع السياسي كما يعتقد البعض، فليس المعركة بين حزبين متنافسين على سياسة الدولة وانما المعركة الأهم هي تغيير مفاهيم الوعي لدى المواطن المصري تحت ضغط الاسلام السياسي للحفاظ على ديمومة السلطة السياسية وارهاب العقل البسيط من خوض مغامرة التنوير الكبرى التي بدأها قادة الفكر العربي بالأسماء التي يعرفها كل تلميذ في السنوات الأولى من تعلمه.

الصراع الذي يقوده المثقف المصري اليوم ليس من أجل استرداد السلطة التي فاز بها الإخوان ولكن من أجل الحفاظ على ثوابت العقد الاجتماعي ومكاسب المواطن الذي حقق التغيير طمعا في مزيد من العدالة والحرية والانفتاح على العالم الأول وهو يدرك أن امكانياته الثقافية وجذور حضارته الراسخة تؤهله لمزيد من التقدم بما يليق بلبد بحجم مصر.

ما يسعى اليه المثقف المصري هو ترسيخ مبادئ الحرية الفكرية وحرية البحث العلمي والحرية الشخصية بما لا يمس حرية الآخر وتأمين القانون المدني واستقلالية القضاء ثم لتذهب السلطة لمن يختاره المواطن.

على الإخوان في السلطة أن يفهموا أنهم حزب سياسي يفوز ويخسر وأن التفكير في البقاء الأزلي والعمل عليه هو نهايتهم السياسية كحركة سياسية واجتماعية أيضا، المؤشرات الأولى تنذر بتضييق حركة الانتقاد السياسي وتقوية عضلات الإخوان ليصبح المثال الديمقراطي للحركة هو ايران بعد الثورة وليس فرنسا.

ان لم يقف المثقف المصري أولا والعربي ثانيا اليوم مطالبا بحريات أكثر ودستور يرفع من معدل هذه الحريات فإن سياسة الإخوان الحالية تسير الى النقيض من ذلك، ومتى ما تمكنوا من تحقيق السيطرة الكاملة على الشارع المصري وأسكتوا قلم الروائي والشاعر وأرهبوا صوت الفنان والمسرحي والموسيقي سيكون ثمن ازاحتهم أكبر بكثير من ثمن ازاحة سلفهم.

back to top