منذ أيام كنت أنتقد الحكومة ورئيسها وأقول إنها تدفع ثمناً غالياً لاستمرارها، تسدده الدولة من مقومات كيانها وحقوق المجتمع والأفراد، وكنت أيضاً أصف أداء الحكومة بأنه لا ينمّ إلا عن وجود أجندة واحدة لها، عنوانها "البقاء" بعد تنازلاتها المتكررة للأغلبية البرلمانية، ولكنني اليوم لديّ الشجاعة الأدبية أن أراجع كل ذلك، بعد وقفة رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك المستحقة والشجاعة في قضية دمج استجوابي وزير المالية مصطفى الشمالي، والتي جاءت متأخرة ربما بسبب معطيات وقراءة للسلطة لا أحيط بها، ولكنها جاءت في الوقت المناسب رغم ذلك، وتعد، كما أعتقد، موقفاً لـ"بوصباح" ضد "تغول" الأغلبية وطغيانها بهدف إرجاعها لتبقى تحت سقف الدستور، وضمن نصوص القوانين، وتنظيم قانون اللائحة الداخلية لممارسة العمل البرلماني، وهذا يعد منعطفاً جديداً لحكومة المبارك الفتية ومرحلة ستكون عصيبة وتتطلب النفَس الطويل والصلابة.

Ad

لا أعتقد أن دمج أو فصل استجواب الوزير الشمالي هو صلب القضية، بل هو المناسبة التي فجّرتها، لأنه في جميع الأحوال كان الموقف متخذاً من الأغلبية بطرح الثقة في الشمالي وخلخلة الحكومة وفرض مطالب جديدة على تشكيلتها، بل إن أساس تداعيات جلسة الاستجواب هو ممارسات ونهج الأغلبية التي شارفت فعلياً على حكم البلد وجمع كل السلطات في يدها دون اكتراث بنصوص تنظيم اختصاصات السلطات الدستورية وحقوق الأفراد وحرياتهم الميثاقية، فأصبح لكل قضية حكومية تقريباً في النيابة العامة لجنة تحقيق برلمانية رديفة لها، وأضحى البرلمان بلجانه المختلفة مراقباً للتعيينات في الحكومة والقطاع النفطي والدبلوماسي، وحتى مراجعة القبول في الكليات العسكرية المختلفة، في ظاهرة تعدت طغيان السلطات إلى اغتصاب سلطة الحكومة، وتعدي الفتوى الشرعية التي يطالبون هم بتحكيمها كما حدث في قانون إعدام المسيء للأنبياء.

وبالإضافة إلى كل ممارسات الأغلبية الخاطئة، فإن رموز الأغلبية نكثت عهودها، ولم تحترم تعهدها الأخلاقي أمام المراجع العليا قبيل حل المجلس السابق بأن تنعم البلاد بمرحلة زمنية من الهدوء والاستقرار في البلد وعدم استخدام الشارع أو التلويح بذلك عند توليهم دفة الأمور في البرلمان، ولم تقبل أيضاً هذه الأغلبية كل التنازلات التي قُدمت لها، ومازالت في مرحلة "فوران" واستعراض غير مبرر للقوة، ونهم لمزيد من القرارات والمطالب التي ستفرغ الدولة المدنية من أسسها، وربما تؤدي إلى سقوط البلد تدريجياً في مرحلة من الفوضى تمكن بعض المتربصين به من اتخاذ خطوات خطيرة تهدد النظام السياسي الكويتي، لذا فإن مواجهة الشيخ جابر المبارك للنهج الطاغي في مجلس الأمة كانت استحقاقاً من ابن السلطة والمؤتمن على الكويت، بعد أن أدرك أن في الكواليس مشروعاً خطيراً لا يمكن التغاضي عنه أو السكوت عليه، وأن مسؤولياته أمام الكويتيين تتطلب هذا التحرك الذي سيقدره كل حريص وواعٍ لما يمكن أن تتعرض له الديرة من مخاطر.

أما تهديدات البعض بأن ردة فعل الشارع ستكون كبيرة وخطيرة في حال حل البرلمان – الذي لا نتمناه - فهي تنم عن خوف وخشية من مواجهة الشارع وناخبيهم، فلا أحد يملك حصرياً وكالة "تحريك الشارع وتجييشه" وادعاءات تجمع المئة ألف في ساحة الإرادة لن تتكرر ولن يبلعها أحد مجدداً، وخدعة تجمعات الإرادة السابقة لن تنطلي على أحد مرة أخرى بعد أن قال القضاء كلمته في قضية التحويلات، ولم يفِ "نواب الإرادة" بوعدهم بإقرار قانون الذمة المالية الذي برع رئيس اللجنة التشريعية البرلمانية النائب محمد الدلال في وضع المبررات والحجج لعدم إقراره، وفشل في إقناعنا والعديد من المواطنين بمصداقيتها، لذا فإن التهديدات بخروج الشارع ورفع سقف المطالبات تعكس ضعفاً وقلقاً من مُطلِقها حيال التطورات في مزاج الناخبين بعد أداء مجلس 2012 المخيّب للآمال، وهي كذلك تمثل نوعاً من أنواع الابتزاز الذي لا يليق برجال التشريع والدولة، الذين يجب أن يعودوا إلى لغة العقل والمنطق، ليكونوا تحت سقف الدستور الذي خرجوا من رحمه بكل بنوده التي تنظم عمل السلطات، وحقوق الأفراد وحرياتهم، والتي أضع تحتها ألف خط، وأطلب أن تكون مواقف رئيس الحكومة مماثلة وأشد إذا استهدف أيُّ تشريع مقبل للأغلبية الانتقاصَ منها أو التمادي على سلطات واستقلال القضاء.