خيال مآتة

نشر في 10-04-2012
آخر تحديث 10-04-2012 | 00:01
No Image Caption
 يوسف عبدالله العنيزي تمتاز منطقة الشرق الأوسط بأهمية خاصة من حيث الموقع الجغرافي الاستراتيجي، وزادت أهميتها بعد الاكتشافات البترولية، فغدت تمثل مخزون العالم من الطاقة، لذا حرصت الدول العظمى على السيطرة عليها وضمها كمناطق نفوذ لحكمها، ولكي تبقى دول المنطقة بحاجة ماسة ودائمة إلى الدول العظمى فقد حرصت هذه القوى على نصب "خيال مآتة" لتخويفها.

ففي بداية الخمسينيات من القرن الماضي أنشئت دولة إسرائيل لتكون "خيال مآتة" لدول المنطقة، وعليه فقد بدأت مرحلة ما عُرف بتسميته "سباق التسلح في المنطقة"، ودارت بشكل مستمر ومكثف مصانع السلاح في أميركا وأوروبا والاتحاد السوفياتي آنذاك، وأخذت الأسلحة تتدفق، ودخلت دول المنطقة في سلسلة نزاعات مسلحة زادت من وتيرة عمل تلك المصانع.

وبعد دخول المنطقة في حالة اللاحرب واللاسلم دخلنا مرحلة "خيال مآتة" آخر موجه إلى الدول الخليجية تمثل بمبدأ القومية العربية أو ما عُرف بتسميته "الفكر العربي القومي" الذي غزا الدول الخليجية من الداخل، مما حدا بهذه الدول الاستعانة بالدول الغربية سواء للحماية أو للتزود بالسلاح، وقد أصيب هذا المبدأ أو الفكر بمقتل في الخامس من يونيو عام 1967 عندما قامت إسرائيل بتدمير الجيوش العربية وابتلاع أراض ومساحات تعادل مساحتها وتزيد، وانتهت تلك الحقبة بوفاة الرئيس جمال عبدالناصر.

وعندها ظهر "خيال مآتة" آخر تمثل بصدام حسين الذي اعتُقد أنه وريث عبدالناصر، لكنه انتهج مبدأ العنف والقتل وتحرير العراق من العراقيين بالقتل والتعذيب والتشريد، فشن حرباً ضد الأكراد بالشمال، ثم شن حرباً على إيران ثم توجه نحو الكويت لتحريرها من الكويتيين، وذلك تمهيدا لتحرير القدس! وصرف مئات الملايين من قوت الشعب العراقي في شراء الأسلحة، كما قام بإنشاء المفاعل النووي "آذار" الذي دمرته إسرائيل بتاريخ 7/ 6/ 1981، وذلك عندما قامت ثماني طائرات إسرائيلية من طراز "F16" بالتحليق من قاعدة "أكزيون الجوية" في صحراء سيناء على ارتفاع منخفض لا يتجاوز مئة قدم مخترقة أجواء بعض الدول العربية حتى الوصول إلى العراق، فأسقطت "16" قنبلة على المفاعل "آذار" أدت إلى تدميره خلال دقيقتين، وتم ذلك دون ضجة إعلامية أو تهديدات يومية، بل اتخذ القرار والتنفيذ بهدوء يثير الكثير من التساؤل.

وبعد قيام صدام حسين بجريمته الكبرى بغزو دولة الكويت كانت النهاية لمرحلة "خيال مآتة" وأزيح في عام 2003، ونُصب ولا يزال "خيال مآتة" جديد تحت مسمى "البرنامج النووي الإيراني"، والمعروف أن هذا البرنامج قد بدأ منذ خمسينيات القرن الماضي في عهد الشاه، وذلك عندما قامت (وهنا المفارقة الكبرى) الولايات المتحدة الأميركية بإهداء إيران مفاعلا نوويا قدرته 5 ميغاواط، وكان يشرف عليه مركز طهران للبحوث النووية التابع لجامعة طهران، كما قامت أميركا بمساعدة إيران لبناء ما يقارب 7 مفاعلات نووية للأغراض السلمية كما يقال. ثم اتجهت إيران للتعاون النووي مع دول أوروبا والهند وروسيا ليتوسع هذا البرنامج ليشمل عدداً كبيراً من المواقع منها على سبيل المثال؛ "منجم ساغنده" و"مصنع أركان"، و"مفاعل أصفهان"، و"مفاعل بوشهر"، و"مفاعل آراك"، وغيرها.

ويبقى السؤال: إذا كانت أميركا والدول الغربية هي التي قامت بإنشاء البرنامج النووي الإيراني، فهل ستقوم هي أيضا بتدميره، ولماذا قامت أساساً بإنشائه؟ وهل الهدف من تكثيف هذه التهديدات زيادة جرعة الخوف لدى دول مجلس التعاون؟

ومن ناحية أخرى، وعندما كنت رئيساً لوفد دولة الكويت في الاجتماع الذي عقد في مدينة لاهاي في مملكة هولندا للمنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيمائية التقيت أحد الأصدقاء من الدبلوماسيين الإيرانيين، وكان يشغل قبل ذلك أستاذاً في جامعة طهران، وطرحت عليه سؤالا: هل ستقوم أميركا أو إسرائيل بضرب برنامج إيران النووي؟ فأجاب "وأنت...هل تعتقد بقيام أميركا أو إسرائيل بذلك؟ وتبقى الإجابة معلقة.

ومن ناحية أخرى، فقد بدأت ملامح "خيال مآتة" جديد يتمثل بأنظمة وأحزاب في بعض دول ما يسمى بالربيع العربي... فهل سيكون داعماً أم منافساً للقائم الآن؟ الخوف كل الخوف أن نكون على أعتاب "فتنة كبرى" لا يكون للسيف والخنجر مكان فيها.

وليحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

* سفير كويتي سابق

back to top