المشهد التاريخي للانتخابات الرئاسية المصرية حدثٌ سيشكل فصلاً فارقاً في الحياة والنظم السياسية العربية كونه المرة الأولى التي سيتم فيها اختيار رئيس عربي عبر انتخابات ديمقراطية مباشرة، وربما يكون هو المشهد الذي سيعلق في مخيلة الملايين من العرب، ووجدان من لا يزالون تحت وطأة حكم النظام "الجملوكي" في سورية، وسيدفعهم إلى مزيد من التضحيات لتحقيق مطالب ثورتهم في الحرية والديمقراطية التي ستنهي مرحلة الاستبداد والظلم في الجناح الثاني للعالم العربي في الشام، إلى جانب مصر، وسيتحقق الإصلاح الحقيقي في بقية الأنظمة العربية، وهو التطور الذي إن تحقق فإنه سيعيد نهضة الأمة العربية، ويخرجها من قرون من التخلف والتراجع. المشهد الانتخابي المصري لم يخل من مفاجآت من العيار الثقيل، أهمها تقدم  المرشح أحمد شفيق، آخر رؤساء حكومات الرئيس السابق حسني مبارك، ومقارعته مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي رغم كل الإمكانات التنظيمية والمالية لتنظيم الإخوان المصري واستخدام ذلك التنظيم كل وسائل التأثير المعنوي والمادي. البعض برر ظاهرة شفيق بأنه تعبير عن اشتياق قطاع كبير من المصريين إلى حقبة الرئيس السابق مبارك، بينما الواقع كما أقدره ووفقاً لمتابعة الشأن المصري هو اشتياقهم الى أمن واستقرار مرحلة مبارك بعد أن فقدت مصر أهم ميزاتها المتمثلة في الأمان، وخسارتها حتى الآن معركتها مع البلطجية الذين يتحكمون بأجزاء كبيرة من المدن والأرياف مقابل تراجع هيبة الأمن المصري وسطوته على الشارع المصري. المصريون متململون أيضاً من غوغائية ثورية تحتل الميادين دون هدف، ومتطرفين أصوليين يأخذون مصر إلى التجربتين الجزائرية والباكستانية السيئتين، ويمسحون وجه مصر المتعدد والمتسامح، والمصريون قلقون أيضاً من تردٍّ اقتصادي أدى إلى نسب بطالة قياسية تعدت 12 في المئة، وتهاوي القطاع السياحي وإغلاق العديد من مرافقه، كل هذه المخاوف والهواجس حققت مفاجأة المرشح أحمد شفيق، إضافة إلى مفاجأة تراجع مرشح الإخوان في معقليهما الإسكندرية والمنصورة إلى المركز الثالث في صورة تبين أن فكر الإخوان وسلوكهم  في مصر لن يمكنهم من تكرار نجاح أقرانهم الأتراك، لاختلاف العقلية التركية الإخوانية هناك والمؤمنة بعلمانية الدولة المدنية الحديثة والمشروع التنموي الذي يعززها، والتي مازالت تقر الزواج المدني وتغيير الديانة في تركيا، بينما زملاؤهم المصريون وحلفاؤهم من السلف يتداولون قوانين مضاجعة الزوجة الميتة، وإمكانية رفع الأذان داخل قاعة البرلمان! ومهما تكن نتائج الانتخابات المصرية، فإن الكيان والدولة المصرية بحاجة إلى مبادئ ترسخ عبر دستور يكرس الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ومدنية الدولة، وسلطة قضائية تنظمها ومؤسسة عسكرية محايدة تحميها، وهي جميعاً ستجنب مصر الدخول في تجارب خطرة ومدمرة قد تؤدي إلى شرذمتها حتى الوصول إلى أحلام الطامعين والتي سيحققها الأصوليون للأعداء لو تمكنوا من السلطة، بدعاوى مختلفة منها خدعة أن الشريعة الإسلامية لم يُحكم بها في مصر قط ولنعط فرصة لنجربها، وهذا خطأ تاريخي إذ إن مصر حكمت طوال قرون وحتى نهاية الدولة العثمانية في بداية القرن الماضي بسلطة خليفة المسلمين والمحاكم الشرعية الإسلامية، كما أن الدين الإسلامي أعظم من أن يكون في محل التجارب السياسية. المهم اليوم أن مصر سطرت عبر تجربتها الديمقراطية الناشئة واقعاً سياسياً جديداً سيكون شديد التأثير على المنطقة ككل، كما فعلت حركة 23 يوليو 1952. نتمنى ألا تتعثر وتنحرف عن مسارها كما حدث لمسيرة حكم الضباط الأحرار. اختيارات الشعب المصري في انتخابات الرئاسة رسالة إلى من يقود حالياً مسيرة ثورة يناير 2011 بأنها انحرفت عن مسارها وسقطت في أحضان الفوضويين والأصوليين الذي يهددون الكيان المصري. والحقيقة أن المصريين لا يتطلعون إلى عهد مبارك وعودة الفرعونية السياسية، بل إلى العودة إلى أمن تلك الفترة واستقرارها من خلال تجنب فوضوية الشارع، كما فعلت معظم أوروبا الشرقية بعد إسقاط أنظمتها الاستبدادية والانتقال إلى المؤسسات لمناقشة وتنظيم مستقبل هياكل الحكم المختلفة فيه. كما يتطلع المصريون أيضاً إلى تحييد المتطرفين قبل أن يقضوا على مصر ويدخلوها إلى مرحلة خطرة من الفوضى والضياع.
Ad