لا أريد أن أُطيل عليكم السالفة، هي باختصار أني وجدت قارئاً يرسل إليّ رسائل على صفحتي على "الفيس بوك" ويدعمني ويثني على ما أطرحه، ثم بعد فترة وجدته يهاجمني هنا في تعليقات القراء في جريدة "الجريدة"، ويتهمني بأشنع التهم. توقفت وأنا أقول: "آفا يا ذا العلم".
هذا القارئ أبو وجهين ليس هو الصنف الوحيد في طبقات القراء الذي أصادفه، فقد عثرت مرة على تعليق من قارئ يهاجمني في صفحتي على "الفيس بوك"، لأن مقالاتي تعرض بالأخلاق والدين، وبضغطة زر واحدة وصلت إلى صفحته الخاصة على "الفيس بوك" فشاهدت ما يصعق! وجدته يضع عليها صوراً خليعة ولا يوجد غيرها، هذا الذي جاء يتحدث باسم الدين والأخلاق الحميدة!حدثت أستاذة إيطالية في كلية الإعلام التقيتها في مؤتمر في روما عن هذا القارئ، الذي خدعني وادّعى أنه يحمي الأخلاق ووجدته يتمرغ في العري والخلاعة، قائلةً لها: إن وسائل الإعلام الجديدة أسلمتنا لواقع افتراضي مزيف، فقالت لي: لكنها على الأقل منحتكِ فرصة كشفه في الوقت نفسه، وبدونها لما أمكنك أن تكشفي هذا القارئ الكاذب.ما الذي يسهل على الناس أن يتأرجحوا بين حبلين وبين قناعين وبين وجهين؟ من الذي أوحى إلى الناس أن هناك وجهاً يصلح للعلن وآخر للخفاء؟ يتخفف الناس من قناع العلن كلما توافرت لهم مشاركة تسمح لهم بالتستر تحت قناع أو اسم مزور، ونحن نسمي هذا في الدين والخلق نفاقاً، إنها الحرب التي ترعاها ثقافتنا بين الفردية والمجموع، فنزعة الفرد من طبيعتها أن تطمح إلى التعبير عن نفسها وعن إمكاناتها الداخلية الطبيعية وعن رغبتها في الحياة بما يخصها وبما يرضيها، لكن المجموع يريد منك أن تعبر عنه وعن الشخصية النموذجية التي تمثله هو، وما يراه صحيحاً، وبين هاتين النزعتين ضاعت حقيقة الناس، تعطلت ضمائرهم، وأصبح كل شيء في العلن ممنوعاً وكل شيء في الخفاء مسموحاً به، لم يتدرب الضمير على أن يكون رقيب نفسه في العلن والخفاء، لماذا يفعل وهو دائماً خاضع لضمير المجتمع في العلن حتى اختنق؟ لم يتعرف على نفسه، لم يمشِ بها في طريق التطور، ولم يتدرب كيف يتهذب وكيف يتعلم من أخطائه التي هي مجرد تجارب في الحياة.الكاتب يعبر عن فرديته مخاطراً بكل ما يمكن أن يواجههه إذا خالف المجموع، لكن القارئ (أبو وجهين) المسحوق بلعبته يصعب عليه أن يرى هذا الكاتب خارج المجموع، فيحاول أن يسحقه وأن يجره إلى المآسي المشتركة، تماماً مثل النكتة التي تتحدث عن "ثلاثة أشخاص تائهين في الصحراء، فظهر عليهم مارد وقال: شبيك... لبيك أطلب. فقال الأول أعدني إلى أهلي، والثاني كذلك، لكن الثالث قال: أين أخذتهما وتركتني وحدي، أعدهما إلى الصحراء مرة أخرى!".
أخر كلام
أبو وجهين
24-03-2012