بعض أعضاء مجلس الأمة يمكن أن يتحولوا إلى أدوات، سهواً أو عمداً، برغبتهم أو رغماً عنهم، في أتون الخلافات السياسية، وعند تتبع أسباب بعض التصريحات أو الأدوات الدستورية تجدها تنتهي إلى أنها خلافات شخصية محدودة رغم الهالة السياسية والإعلامية الكبيرة التي تفرضها مكانة النواب وتأثيرهم على مستوى الرأي العام.

Ad

لا ألوم العديد من الأساتذة الأفاضل الزملاء في كلية العلوم الاجتماعية على غضبهم الشديد واستنكارهم للاتهامات الباطلة والرخيصة التي ساقها أحد النواب على خلفية زيارتهم لجمهورية كوريا الشمالية، بمناسبة الذكرى السنوية المئوية لمؤسس الدولة كيم إيل سونغ، واعتبار هذه الزيارة، وكذلك التي سبقتها قبل عام من قبل وفد أكاديمي من نفس الكلية، أنها عمل استخباراتي مرتبط بإيران!

فمن حق أي مواطن أن تنتفخ أوداجه لتهم الخيانة والعمالة التي أصبحت، مع الأسف الشديد، بضاعة سوء في أتون النار الطائفية المشتعلة، والتي لا يتردد حتى بعض النواب في صب الزيت عليها لمكاسب انتخابية مهما كانت النتائج وخيمة على الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية، ولكن هذا قدر المواطن بأن النائب لا يمكن محاسبته أو مقاضاته لأنه يواجه من خلف قضبان الحصانة البرلمانية!

وقد أكسبتني تجربتي المتواضعة في مجلس الأمة كيف أن بعض الأعضاء يمكن أن يتحولوا إلى أدوات، سهواً أو عمداً، برغبتهم أو رغماً عنهم، في أتون الخلافات السياسية، وعند تتبع أسباب بعض التصريحات أو الأدوات الدستورية تجدها تنتهي إلى أنها خلافات شخصية محدودة، رغم الهالة السياسية والإعلامية الكبيرة التي تفرضها مكانة النواب وتأثيرهم على مستوى الرأي العام.

ولهذا فقد كنت ومازلت إزاء الزوبعة الأخيرة من الداعين إلى تحمل مثل هذه الاتهامات بأعصاب هادئة، فالموضوع برمته قد لا يتجاوز غيرة شخصية من زميل لم تكتب له زيارة كوريا الشمالية، ووجد ضالته في أحد النواب ممن أصبح متخصصاً في الشؤون الإيرانية فاعتبرها ضربة معلّم ما دامت الأجواء المحتقنة تصنع له نجومية لاسيماً في سنة أولى سياسة.

وأنا على يقين بأن النائب المسكين بلع الطعم ولم يتكبد عناء الاستفسار عن أعضاء الوفد الجامعي الذي يضم مجموعة من الأساتذة الأفاضل من الشرائح الكويتية المختلفة، منهم عبدالرضا أسيري وعبدالوهاب الظفيري وبدر العيسى وحامد العبدالله ومحمد السيد سليم وملك الرشيد وعبدالله سهر، وكنت ممن تشرفت بمصاحبة الوفد الثاني قبل أسابيع، وكتبت عن هذه الزيارة مقالاً بعنوان "حكوكّة شيوعية" هنا في "الجريدة" بتاريخ 27 أبريل الماضي.

وأقولها بثقة كبيرة نيابة عن الزملاء وأمام الشعب الكويتي إن هاتين الزيارتين كانتا بتأييد ومباركة وزير الخارجية السابق الشيخ محمد الصباح والوزير الحالي الشيخ صباح الخالد، وخلال الزيارة الأخيرة وفي لقاء مع الوفود الزائرة أفرد رئيس الدولة الكوري في كلمته عبارات الثناء على دولة الكويت، وأشاد بصاحب السمو الأمير بالاسم وذكر بالعرفان الشهيد فهد الأحمد.

وفي لفتة جميلة قام الوفد الكويتي بزيارة ميدانية للمشروع الوحيد لتحلية المياه في بيونغ يانع، وهو من مساهمات دولة الكويت عبر صندوق التنمية الذي يشرب منه كل سكان العاصمة، فإذا كانت هذه جاسوسية واستخبارات فأهلاً بها ونعم، ونتمنى أن يتعلم بعض نوابنا مثل هذا الدرس في السياسة.