المطر في السنوات الأخيرة لم نعد نغريه

Ad

لم يعد يشتهينا

لم يعد كما كان من قبل يحنو على زهورنا المتيبّسة، وعروق أغصاننا الجافة

نبعث له الرسائل الصفراء... المغلّفة بالصلوات والدعاء، ولكنه لا يفتحها،

لا يتفحّص وجع حروفها.

قيل إنه أوكل هذه المهمة للريح، وما يجعلنا نصدق ما يقال، اننا كثيرا ما نجد بعض حروفنا قطعا على الأرض، وبعضها الآخر معلّق في الهواء،

المطر لا يحب زيارتنا.

وإذا ألححنا عليه بالدعوات، يأتي وكأنما هو مجبر على ذلك،

أو مجاملة، أو ربما خجلا ليس منا ولكن من الله

فيما مضى كان يأتي أحيانا حتى بدون دعوة،

لا يستأذن في الحضور، ولا يطيق الغياب عنا، ولا يتركنا للجفاف

الشوق وحده كان من يسوق خطواته إلى أراضينا

يمرّ في طريقه إلينا بائعي الزهور في المحلات وفي الطرقات وإينما كانوا ليشتري لنا أجمل سلال الزهور وباقات الورد

يمر على بيوتنا بيتاً بيتاً ويطمئن علينا، يطمئن على أوردتنا من العطش، وعلى قلوبنا من التصحّر، على أطفالنا من الكبر سريعا، ويمسح على رؤوسهم متمتماً ببعض البركات، ولا ينسى أن يمر على خرافنا وإبلنا في المراعي ليطعمها الكلأ

كان شغوفاً بنا

عاشقاً لنسائنا، فخورا برجالنا

لا يغادر بيوتنا إلا وقد أخذ من كل أنثى خصلة شعر، ومن كل رجل خصلة شرّ كتذكار.

استُدعيناه كثيرا ليفضّ النزاعات القبليّة بيننا، لأننا نثق بحكمته وحنكته.

في مجالس شيوخ القبائل كان له الصدر،

وعندما يتكلم ينصت الجميع بدهشة لما يقول، كان يروي الأشعار، وقصص ممتعة عن أناس آخرين يعرفها من خلال ترحاله المستمر، ويحفظ الكثير من الأمثال والحكم، ويكاد يعرف أخبار الدنيا، هو أيضا كان محبّا لمجالسنا وحكايات السمر

الآن هجر بيوتنا...

ومجالسنا...

ولم يعد يرى نساءنا فاتنات

ولا رجالنا نبلاء

ولا يرى على وجوه أطفالنا سمة البراءة

يروي أحد الأصدقاء أن المطر أثناء مروره بمدينتهم اصطحبه في جولة في شوارع المدينة وسأله المطر:

أين المرازيم؟! لماذا لم تعد لبيوتكم مرازيم؟! فقد كان بعضي يطلّ على نوافذكم من خلالها قبل أن يقبّل الشوارع، كنتم تتركون لي عمدا طريقا لملامسة جدران بيوتكم، كشهادة ودّ بيني وبينكم ودليل حميمية، من خلال تلك المرازيم كنت أشمّ رائحة جدرانكم عطرا يوصلني لدفء قلوبكم، أين المرازيم؟!

قال صديقي لو لم أستشعر في نبرة صوته الغضب والامتعاض لقلت له مازحاً: غيرّنا مسارك فأصبحت المرازيم في "الغُتر" التي نرتديها، لذا فضّلت الصمت حتى لا أستفزه أكثر

قلت لصديقي: أيعقل أن المطر لم يعد يزورنا فقط بسبب عدم وجود المرازيم؟! أيعقل أن يكون المطر ساذجا لهذه الدرجة وهو ما نعرف عنه من الحكمة والرشاد؟!

أجاب صديقي ربما، والأمر ليس ساذجا كما تظن، بل ان له دلالة مهمة، فحين كنا نستعمل المرازيم في بيوتنا هذا يعني أن المطر في أذهاننا حينما كنا نخطط لبنائها، كان حاضرا في خيالنا وفي وجداننا، كنا نعده فردا من أفراد الأسرة فنهيئ له مكانا في البيت، ودربا من السقف، أما الآن فنحن نهيئ له فتحة في المجاري، وهذا لا يعجب كبرياء المطر.