يرى الصندوق الدولي للتنمية الزراعية إمكانات هائلة في القطاع الزراعي في إفريقيا، الذي شهد نمواً بلغ 4.8% في عام 2009، مقارنة بنحو 3.8% في منطقة آسيا والباسيفيكي، و1.4% فقط في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. ولأن الزراعة تشكل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي لبلدان جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا.

Ad

مع تحول الجفاف إلى ظاهرة شائعة على نحو متزايد، يكافح المزارعون في أنحاء العالم المختلفة من أجل الحفاظ على إنتاجية محاصيلهم. ففي الولايات المتحدة يواجه المزارعون أشد موجات الجفاف حِدة منذ أكثر من نصف قرن من الزمان. ونتيجة لهذا ارتفعت الأسعار العالمية لمحاصيل الذرة والقمح وفول الصويا في يوليو وأغسطس، وظلت مرتفعة.

ولكن موجة الجفاف الشديدة التي تحرق المحاصيل الزراعية في أنحاء الولايات المتحدة المختلفة ليست سوى الجولة الأحدث في دورة عالمية من موجات الجفاف المدمرة المتكررة على نحو متزايد. ففي منطقة الساحل بإفريقيا، يواجه ملايين البشر الجوع للمرة الثالثة منذ عام 2005. وكان الافتقار إلى الأمطار في المنطقة وتقلب أسعار الغذاء العالمية من الأسباب التي أدت إلى تفاقم الأوضاع سوءا. والواقع أن فقراء العالم- خصوصاً أهل المناطق الريفية- هم الذين يعانون جراء هذه العوامل المجمعة.

وهذا لا يبشر بخير بالنسبة لمستقبلنا. فبحلول عام 2050 لابد أن يزيد إنتاج الغذاء العالمي بنسبة 60 في المئة حتى يتسنى له تلبية الطلب من جانب سكان العالم الذين يتزايد عددهم وتتغير عاداتهم الاستهلاكية. ولكي نضمن الأمن الغذائي للجميع فلن يكفي لتحقيق هذه الغاية زيادة الإنتاج الغذائي فحسب، بل يتعين علينا أيضاً أن نزيد المتاح منه، خصوصاً بالنسبة لهؤلاء الذين يعيشون في البلدان النامية. وهذا يعني هدم الحواجز وتضييق فجوة التفاوت بين الناس، وبناء القدرات، ونشر المعرفة. وفي إفريقيا، يحتاج المزارعون من أصحاب الحيازات الصغيرة- الذين يقدمون 80 في المئة من الغذاء في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من الصحراء الكبرى في إفريقيا- إلى البنية الأساسية اللازمة للتنمية الزراعية، بما في ذلك الري والطرق، فضلاً عن تحسين عملية تنظيم الأسواق والقدرة على الوصول إلى التكنولوجيا.

ويرى الصندوق الدولي للتنمية الزراعية إمكانات هائلة في القطاع الزراعي في إفريقيا، الذي شهد نمواً بلغ 4.8 في المئة في عام 2009، مقارنة بنحو 3.8 في المئة في منطقة آسيا والباسيفيكي، و1.4 في المئة فقط في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. ولأن الزراعة تشكل نحو 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لبلدان جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، وتمثل أكثر من 60 في المئة من تشغيل العمالة في أغلب البلدان الإفريقية، فإن تنمية هذا القطاع من الممكن أن تحد من الفقر في المنطقة بدرجة كبيرة.

وليس فقط في إفريقيا- في بلدان مثل بوركينا فاسو وإثيوبيا- بل أيضاً في بلدان ناشئة مثل الصين والهند وفيتنام، أثبتت التجربة مراراً وتكراراً أن صغار المزارعين، من النساء والرجال على السواء، هم أكبر المستثمرين الزراعيين في إفريقيا. والواقع أن نمو الناتج المحلي الإجمالي القائم على الزراعة أكثر فعالية في الحد من الفقر بما لا يقل عن الضعف مقارنة بالنمو في قطاعات أخرى.

ولكن المزارعين الأفارقة يواجهون عقبات كبيرة تحول دون تمكينهم من تحقيق إمكاناتهم، فهم يستخدمون في المتوسط أقل من 10 كغم من السماد لكل هكتار، مقارنة بنحو 140 كغم في الهند. فضلاً عن ذلك فإن الأراضي الزراعية المروية تقل مساحتها عن 5 في المئة من إجمالي مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، ونادراً ما تستخدم أصناف المحاصيل المحسنة.

ومن هنا فإن جهود التنمية الزراعية لابد أن تركز على تعزيز نمو واستدامة صغار المزارعين والشركات الصغيرة في المناطق الريفية. وهذا يتطلب توافر البيئة التنظيمية الأكثر دعماً، والمعونة الفنية، فضلاً عن قدرة صغار المزارعين على الوصول إلى الموردين والموزعين ومقدمي التمويل.

والواقع أن البلدان التي تشهد نمواً زراعياً كبيراً، مثل البرازيل وتايلند، استفادت كثيراً من استثمارات القطاع العام في البحث وتطوير البنية الأساسية. ويتعين علينا أن نضع في الاعتبار ليس فقط كيفية تحسين قدرة المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة على زراعة المحاصيل الغذائية؛ بل تعزيز قدرتهم على المشاركة في الأسواق أيضاً، مع تحسين الكيفية التي تعمل بها هذه الأسواق.

فضلاً عن ذلك فإن روابط الاستثمار المستدامة بين صغار المزارعين والقطاع الخاص مطلوبة. فمن خلال تمكين المزارعين من زيادة إنتاجهم ودخولهم، يصبح بوسع الاستثمار الخاص الشامل من جانب صغار المزارعين تعزيز النمو الاقتصادي والأمن الغذائي. وأخيراً، ينبغي لمنظمات المزارعين، التي تشكل أهمية حاسمة كوسيط بين المنتجين والشركات الاستثمارية، أن تشارك في صياغة الخطط والسياسات الرامية إلى تحقيق التنمية الزراعية.

وبوسع القطاع الريفي النشط أن يعمل على توليد الطلب على السلع والخدمات المنتجة محلياً، وبالتالي تحفيز النمو المستدام في معالجة المنتجات الزراعية، والخدمات، والتصنيع على نطاق صغير. ومثل هذه الفرص كفيلة بالسماح للشباب بالازدهار في بلدانهم الريفية، بدلاً من اضطرارهم إلى البحث عن عمل في المناطق الحضرية.

إن إفريقيا قادرة على إطعام نفسها. ولكن هذا ليس كل شيء: فمن خلال المعرفة والتكنولوجيا والبنية الأساسية وسياسات التمكين، يصبح بوسع صغار المزارعين في إفريقيا وغيرها من مناطق العالم دفع التنمية الزراعية المستدامة إلى الأمام، والإسهام في الأمن الغذائي العالمي، وتحفيز النمو الاقتصادي في أنحاء العالم المختلفة.

كانايو ف. نوانزي

* رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"