تمثل المجزرة الأخيرة في سورية عنواناً جديداً على الفشل المتكرر للسياسة الدولية في حل المعضلة الإنسانية، ففي الوقت الذي يبدو من حيث الشكل أن التداعي السياسي الدولي والإقليمي جاد، فإنه مازالت هناك مساحة لتحدي الطغاة والغلاة للاعتبارات الإنسانية. هي حكاية مكررة إذاً، لا يدركها الناس كما يبدو، إلا عندما تنتشر الدماء وتتكدس أشلاء الأبرياء.

Ad

في الشهر الماضي صدر أول حكم من نوعه في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بسيراليون، ومقرها لاهاي بهولندا، ضد تشارلز تايلور الرئيس الليبيري السابق الذي ارتكب جرائم حرب أدانها العالم، وجند الأطفال للقتال، وارتكب جرائم ضد الإنسانية. كان ذلك أول حكم من نوعه يصدر من محكمة جنائية دولية مختصة. أما الآن ومنذ 2002 فقد أصبح لدى العالم المحكمة الجنائية الدولية، المنشأة بموجب اتفاقية روما، والتي تصلح بدون تردد للتعامل مع الوضع في سورية، لتشكل عنصراً ضاغطاً حقيقياً، ومن ثم التركيز على العضوين العاقين روسيا والصين، ومن مفارقات الزمن أن العرب والولايات المتحدة وإسرائيل اتفقوا على معاداة المحكمة الجنائية الدولية.

تجاهل العالم للمجازر المتكررة من سيراليون والبوسنة ورواندا والصومال وفلسطين وغيرها، ليس إلا عنواناً لفشل الساسة في الحقل الإنساني. فالحسابات السياسية تتغلب على الاعتبارات الإنسانية، هكذا هي، شهدناها في أماكن كثيرة، وليس من غرابة أن نرى أن من كان يرقص مع النظام السوري قبل مدة قصيرة صار يخوض معركة ضده. مكونات المعضلة السياسية مفهومة، وإن كانت المتغيرات بين الحكومات تحتاج إلى تفسير، وهو ليس بالأمر الصعب على أي حال. أما ما يفترض أن يجري العمل به وعليه فهو وقف نزف الدماء والقتل المستمر بدم بارد، ومن ثم البحث في مخارج سياسية.

ولذا كان التحرك، الذي قادته ودفعت به منظمة العفو الدولية، بمطالبة مجلس الأمن الدولي بإحالة ملف الانتهاكات السورية بحق الناس الأبرياء إلى المحكمة الجنائية الدولية، يمثل نقلة جدية في اتخاذ إجراءات ضغط حقيقية قد تنتهي في محصلتها إلى أن يوضع المتسببون وراء القضبان. ومع أن دعوة منظمة العفو الدولية قد حصلت على دعم كبير من غالبية المنظمات الدولية غير الحكومية، ومن عدد كبير من المفوضين الدوليين، إلا أن الساسة والحكومات مازالوا يدورون حول أنفسهم، ويقدمون حلولاً مازال النظام السوري يتعامل معها باستخفاف، لمعرفته جيداً أنها مجرد مناورات، بينما يتعرض الناس للقتل دون رادع.