فجر يوم جديد: نجوم دليفري
محمود عبد العزيز واحد من نجوم السينما المصرية، الذين ترددوا كثيراً قبل أن يحسموا أمر العودة إلى الشاشة الصغيرة؛ فمنذ آخر مسلسل قام ببطولته بعنوان «محمود المصري» (2004)، ظل ابن حي الورديان في الإسكندرية (ولد في 4 يونيو 1946) يؤجل القرار ويهرب ويتهرب، حتى جاءه نص «باب الخلق» الذي كتبه الشاب محمد سليمان عبد الملك وأخرجه عادل أديب، ولفرط حماسته وافق على أن يكون المسلسل باكورة إنتاج الشركة التي أسسها ابنه الأكبر وأحد أصدقائه، ما يعني أن ثقته في نجاح «باب الخلق» كانت كبيرة، وإلا ما عرض ابنه للخسارة أو الدخول في مغامرة غير مأمونة العواقب. راهن محمود عبد العزيز بحدسه وخبرته الطويلة (بدأ مسيرته الفنية في السبعينيات) على «باب الخلق»، ولم يخش الدخول في السباق الرمضاني، على رغم شراسة المنافسة وضراوتها، ويبدو أنه كسب الرهان؛ فالمسلسل يشهد التفافاً جماهيرياً وتقديراً نقدياً، بعدما أخلص لشخصية «محفوظ زلطة» مدرس اللغة العربية الذي غرروا به وأقنعوه بالسفر إلى أفغانستان ليكافح المد الشيوعي، وعقب انسحاب المحتل السوفياتي أصبح ورفاقه في نظر أميركا والأنظمة العربية «إرهابيين» ممن اصطلح على تسميتهم «الأفغان العرب»!في «باب الخلق» يستثمر «المخضرم» محمود عبد العزيز موهبته الكبيرة، وتجربته الفنية التي صقلتها الأعوام الطويلة، ويتسلل إلى قلوب الناس برقة وحنو بالغين، ونتيجة للحب الكبير الذي يحظى به تقبل جمهور المشاهدين زلات الشخصية وتكرار السيناريو، وبدت العلاقة حميمية بشكل كبير؛ خصوصاً أن محمود عبد العزيز ظل محتفظاً بخفة ظله، التي أحبها الجمهور في «العار» (1982) و{الكيف» (1985) و{جري الوحوش» (1987)، ولم يتخل عن لمساته المحببة التي ميزت شخصيته الفنية، وأسلوبه الذي تفرد به، بل إنه بالاتفاق وكاتب النص والمخرج عادل أديب وجه تحية لفيلم «الكيت كات» (1991)، عبر استعارة مشهد الميكروفون الذي يُترك مفتوحاً فينقل حواره إلى الحارة بأكملها.
لا مبالغة في القول إن محبي «عبد العزيز» وضعوا أيديهم على قلوبهم، بمجرد الإعلان عن اختيار المخرج عادل أديب ليتحمل مسؤولية إنجاز مسلسل «باب الخلق»، خشية أن يتكرر الإخفاق الذي واجه تجربتهما السابقة في فيلم «ليلة البيبي دول» (2008)، لكن النتيجة جاءت مختلفة بسبب القصة المكتوبة بعناية، وتفرغ عادل أديب لوظيفته التقنية من دون أن يشغل نفسه بالسيناريو أو الإنتاج، كما حدث في «ليلة البيبي دول»، فضلاً عن الإحساس الشخصي لدى محمود عبد العزيز بأن «التجربة حياة أو موت»، وأن «باب الخلق» يمثل «الباب الملكي لغزو قلوب الملايين» وتأكيد نجوميته السينمائية، وهو الهدف الذي نجح فيه حتى اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور، لاقترابه من قضية حيوية ما زالت تشغل بال الناس ليس في مصر فحسب، وإنما في أكثر من دول عربية.في ما يقرب من 100 فيلم لم يُفصح محمود عبد العزيز عن توجهه أو موقفه السياسي، بالصورة التي رأيناها ولمسناها في «باب الخلق»، كما كان متسقاً مع نفسه وشديد الاحترام للمرحلة العمرية التي يعيشها، وهو يجسد شخصية «محفوظة زلطة» الذي هزمته السنون، سواء في المرحلة التي عاد فيها من أفغانستان بلحيته الكثة وهندامه الذي يعكس تطرفه أو قهرته الملاحقات الأمنية في المرحلة التي تخلص فيها من اللحية والهندام، وفي المرحلتين بدا عاجزاً عن الخلاص من المرارة التي علقت بنفسه وهزمته، وكعهدنا به كان النجم محمود عبد العزيز «الجنتل» و{القبطان» (فيلمان قام ببطولتهما عامي 1996 و1997) وكان بحق الحاضر ـ الحاضر، وليس الحاضر ـ الغائب كآخرين في السباق الرمضاني، ونجح في تجاوز تجربته الدرامية التلفزيونية في «محمود المصري» (2004)، وأظهر ثقة كبيرة في نفسه وهو يوافق على ترشيح الممثل المغربي الكبير محمد مفتاح ليشاركه البطولة في الجزء الذي دارت أحداثه في بلاد الأفغان. الأمر المؤكد أن محمود عبد العزيز أضفى قبساً من نوره وروحه على «باب الخلق»، وسعى جاهداً إلى استعادة جماهيريته الواسعة التي حققها في «رأفت الهجان»، ولم يلجأ مطلقاً إلى «التهريج» أو «الاستخفاف»، مثلما لم يرتكب جريمة دغدغة غرائز ومشاعر الناس، وإنما احترم وعي الصفوة منهم، وتواصل مع البسطاء الذين ينتمي إليهم، وينظرون إليه بوصفه «الساحر» القادر على إثارة الدهشة، والذي يحمل في جعبته الكثير من الأسرار... والحيل!