خطاب الأزمة... وأزمة الخطاب
«الحولة» و«مزرعة القبير» لاحقاً لن تكونا الأخيرتين، وربما هما البداية لمرحلة جديدة من دوامة العنف والاستباحة الوطنية التي جاءت صريحة وواضحة في خطاب الأسد أمام مجلسه من الشعب كحل لوأد الثورة السورية التي تزداد حضوراً وإصراراً وامتداداً متناسبة طرداً مع ارتفاع وتيرة الحل الأمني، وهذا ما لا يدركه النظام بأن العنف لا يولد إلا العنف (وأن الشعوب عندما تريد فلن تعود بما لا تريد). هذه الإطلالة الخامسة للأسد خلال الثورة السورية، وكالعادة جاء خطابه محشواً بالعبارات المسبقة الصنع والتي طبعت الخطابات الرسمية منذ خمسة عقود ظلامية مضت؛ كالمؤامرة، والعمالة للخارج، والمخططات، والاستهداف، والصمود والممانعة... إلخ. وطبعاً لم يخلُ الخطاب من التهديد والوعيد وحتمية الانتصار على الشعب، ونحن لن نضيف جديداً عندما نقول إن صلاحية النظام قد انتهت، وإن هذه العقلية المتأكسدة التي حافظت على محدوديتها وتكورها خلال العقود الماضية، لم تستطع يوماً فهم المتغيرات الكونية ولا حتى المحلية ولم تصغِ يوماً إلى الشعب والتعامل مع حريته وإنسانيته باحترام ومسؤولية. تلك الذهنية لا ولن تقوى على تقديم الحلول بسبب تخلفها وانتمائها لعصور لا تناسب الحياة، وهذه تعتبر سبباً كافيا لاندلاع الثورات واشتعالها... فهل يعقل لرئيس مسؤول أن يبرر القتل لأجهزته ويعطيهم الإذن بمزيد من سفك الدماء لمن يحكمهم من خلال تشبيهه للمعالجة الأمنية الإجرامية المتبعة حالياً بالعملية الجراحية، التي لا تخلو من التلوث بالدم لضرورة استئصال العلة!... فأي علة وفساد النظام وإجرامه هما العلّة الأساسية التي يجب استئصالها؟ ندرك أن العجز يؤدي إلى الشلل والسقوط، والنظام السوري وصل بالمطلق إلى هذه المرحلة، وما يفعله من إجرام يعتبر الورقة الأخيرة في حسابه رغم مراوغته في التعامل الدولي لإطالة الزمن، مع اختراع أسماء أصولية لمجموعات أمنية تتبعه، كـ»النصرة»، و»فتح الإسلام»، و»فتح الشام»، وغيرها مما ينسب إليها ارتكاب المجازر الحالية في سورية ليصار إلى خلط الأوراق وتحويل الأنظار عن نبل الثورة ومقاصدها إلى نعتها بالأصولية والإرهاب. عدم استعجال المجتمع الدولي لحل الأزمة وبروده في التعامل معها كقضية شعب ووطن أحد أهم الأسباب في النزف وارتكاب المجازر لأن النظام يعتبر شرعيته قائمة ما دام المجتمع الدولي لم يسحبها بقرار أممي يؤدي إلى زواله، أما الموقف الروسي الأخير المعلن «بأن بقاء الرئيس السوري ليس شرطاً لحل الأزمة»، فيعتبر التطور الأهم على الصعيد الدولي لذا يجب متابعته والبناء عليه- ما لم يتغير- من أجل إيجاد صيغة دولية مناسبة توقف النزف وتؤمن رحيل النظام.