خادمة القوم

نشر في 10-09-2012
آخر تحديث 10-09-2012 | 00:01
 فوزية شويش السالم خادمة القوم، مسلسل خليجي مميز يستحق المشاهدة، فهو يطرح علاقة الأبناء بالآباء والأسرة بشكل عام من منظور هذا العصر الذي انعكست معطياته على الأسرة العربية والخليجية بشكل خاص.

«السكربيت» الذي كتبته الكاتبة القطرية «وداد الكواري» طرحت فيه كل الشوائب التي طرأت على الأسرة الخليجية خاصة بعد الطفرة المادية والانفتاح العالمي، الذي غير وأثر على عاداتها وسلوكها الإنساني والاجتماعي بشكل يتطلب دراسته ومعالجته بجدية وانتباه، فالأسرة التي كانت علاقاتها مترابطة أصبحت تسودها المصالح وتمزقها الأهواء وتفتتها أنانية الأبناء بفضل معطيات عصرهم الذي ينمي روح الفردية المطلقة التي لم تكن بهذه الصورة في الأزمنة التي سبقتهم.

فمثلا في زمن الأجداد أي ما قبل ظهور البترول كانت علاقة الآباء بالأبناء يشوبها الاحترام والخضوع الشبيه بالعبودية ذلك تبعا لمنطق ذاك العصر ومعطياته التي كانت فيه الآسرة تعيش ضمن أسوار بيت العائلة الكبير الذي يضم الجدود والآباء والأبناء والأحفاد والأعمام في منزل واحد، وتقريبا تضمهم حرفة عمل واحد، ويخضعون الخضوع الكامل لإرادة رب الأسرة في كل الأمور التي تخص حياتهم ومستقبلهم بما فيها اختيار العمل وشريكة الحياة وحتى تسمية أبنائهم، وكان الرضا يسود حياتهم التي كانت قائمة ومستمرة على هذا التجمع التكافلي الذي لابد من وجوده في ذاك الوقت.

وبعد ظهور البترول امتدت المدن واتسعت طرقاتها وبعدت مسافاتها وتوزع قاطنو البيوت الكبيرة على فلل الضواحي الجديدة، وأدى ذلك إلى ضمور الأسر وانقسامها إلى مجرد أب وأبناء ومهن مختلفة وعلاقات اجتماعية ذات طابع يميل إلى التوازن في علاقة الآباء بالأبناء بما يتسق مع الوضع الجديد الملائم للزيادة المادية في دخل الأسرة وانفتاحها على حداثة العالم في ذاك الوقت مما أحدث تأثيره في خلق علاقة اجتماعية جديدة ما بين الآباء والأبناء يسودها التقارب والتفاهم والمشورة والصداقة مما خلق علاقة متوازنة فيما بينهم.

بعد جيل الآباء جاء جيل الأبناء في هذا العصر الذي بات فيه الآباء عبيدا لرغبات أبنائهم، وأيضا تبعا لمعطيات هذا العصر الذي زادت  فيه الرفاهية وتماثلت ثقافة الآباء والأبناء وسقطت منه كل وسائل المنع والتحريم وانمحت الهيبة للسلطة الأبوية وشاركت وسائل الإعلام الحديثة كلها في مؤامرة خلق جيل لا سلطة عليهم سوى سلطة الأنانية ومصلحة الذات، وبات فيه الآباء بالفعل رهن إشارة رغبات الأبناء وتحت تسلطهم، فآباء زمن ما بعد ظهور البترول انعكست ديمقراطيتهم الرقيقة في تربية أبنائهم وحنيتها الزائدة التي كانت تسارع لتلبية طلباتهم بدون أي تردد حتى أصبحت المادة وتلبية الرغبات هي أساس للمحبة، مما أنتج علاقة غير صحية ما بينهما، صارت الأنانية هي أساس المعاملة، فمن تعلم أن يأخذ فقط من دون أن يعطي، فكيف له أن يعرف كيف يعطي، مما جعل هوة الابتعاد تتسع بحيث أصبح من الصعوبة معرفة الكيفية التي يعرف الآباء فيها التعامل والتواصل مع الأبناء، فالفردية العالية أصبحت سورا وجدارا لا يمكن القفز عليه أو اختراقه من دون تقديم المزيد من شروط الولاء والخنوع والطاعة من جانب الآباء، وبات الآباء يبتعدون اتقاء أنانية الأبناء وحتى يشتاقوا لهم، فلم يعد هناك طريقة للتفاهم معهم ولا سبيل لتقويمهم، فالنصيحة تدخل في شؤونهم، والحوار أو النقاش معهم هو «حنه» أو زن، وحتى النكتة أو المزاح تفسر بحسب مزاجهم قد تكون معهم أو ضدهم، فكل شيء يحور لصالحهم بحسب شكل المصلحة ومن أين تُقطف، مما جعل هوة الابتعاد تتسع وهي الخسارة الكبيرة والثمينة في هذه العلاقة الوحيدة والحقيقية في الحياة، والتي ليس فيها أي مصلحة سوى الحب وحده الذي يقدم على طبق من ذهب دون أي منة.

المسلسل كشف عن أزمات هذه العلاقة وعرّى زيفها وأنانيتها المطلقة، ولم يكن هناك حاجة أن تكون الأم في النهاية هي زوجة أب، فحتى لو كانت هي الأم فستكون النتيجة هي ذاتها.

تهنئة لوداد الكواري على هذا المسلسل الجيد والمهم في هذا الزمن الرديء، وتهنئة لكل أبطال العمل، وعلى رأسهم هدى حسين التي أبدعت في هذا الدور، وأيضا جاسم النبهان الذي أجاد خلق هذه الشخصية في بساطة متناهية معجونة بخفة دم المواقف المربكة، كذلك تحية لعلي البريكي والبلام وكل من عمل في هذا المسلسل.

back to top