الأغلبية الصامتة: خمرة الوهم
يشغلني وطن بأكمله ويسكنني هم قديم صنعه الأمناء على مستقبلي، لا تشغلني المعارك المجهرية بين أشباه الأشياء التي عشت حقيقتها ولا أتوقف عند قيل وقال، فلا "قيل" يثري ولا "قال" يرتوي، فهم مثل "الدردور" يسحبنا نحو هلاكنا ونحن ساهون.أمامي سلسلة حانات مفتوحة في وطن يحرِّم كل أنواع الخمر ما عدا "خمرة" الوهم التي تباع في القطاعين العام والخاص، الحكومة تسوق منتجات دولة القانون وخطط التنمية، والمعارضة توزع "أنخاب" فاقد الشيء لا يعطيه.
نحن نعيش تحت تأثير "خمرة الوهم" بعضنا أفاق منها والبعض لا زال يصدق أن الحل يأتي من أعداء الدستور التاريخيين وملوك الطوائف وخرافات النقاء العرقي ومحامي الدفاع عن الفساد والإفساد، وأيضاً نحن نعيش على حقيقة ساطعة نراها مع إشراقة كل يوم وهي أن وطني مشلول لا يقوى على الحركة ولا يجد من يساعده على النهوض.أي معركة غير معركة النهوض والانطلاق، تلك التي تستحق أن نقول "انتصرنا" فيها؟ أي نصر هذا؟ وشمالنا يبتر يميننا وفوقنا يهدم أساسنا؟ ما هذا الجنون الذي نعيشه تحت تأثير "خمرة الوهم". إن همي غير همكم وحلمي لا يلامس أحلامكم، ترون الحل على هيئة واحدة لا تخرج عن صورة فريق يسود فوق كل الفرق، وأراه لا يكتمل بغير التوازن والتراحم والنقد الإيجابي الذي يؤسس للإصلاح والتصحيح.معركتي لا معارك تصفية الخصوم واقتلاع الطوائف، هي معركة البناء التي لا يعرف طريقها محدودو الفكر والرؤية والإمكانات، ولا يدرك مراميها من يرى أن كل ما حوله شيء مؤقت قابل للتلاشي!وطني ليس انتخابات وسياسة فقط، وطني هو جاسم يعقوب الذي أريد أن أرى أمثاله، وجامعة الكويت التي أريدها أن تعود إلى ريادتها، وطني هو مسرح عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج والفن الراقي ومعرض الكتاب وكتب التنوير، وطني الذي أريد ليس حلماً مستحيلاً بعيد المنال ولكنه مع الأسف حلم معجون بالعناد. معركتي هي توجيه الأنظار لمن يبيعنا "خمرة الأوهام" ويدخلنا في متاهات جانبية عديدة كما هو حاصل في أيامنا هذه حتى لا نكتشف حقيقة المسؤول الحقيقي عن ما نعانيه، ودائما وأبداً ابحثوا عن من يملك الإمكانات ولا يفعل شيئاً ومن يملك التمرير ويجتهد في تفجير الموقف لغاية في نفسه.اغرقوا في التفاصيل كما تشاؤون، اشتكوا من الزحمة الخانقة وعيشوا صدمة عدم قبول أولادكم في الجامعة ومرارة بطالتهم بعد التخرج وكارثة "حشرتهم" في علب السردين الأسمنتية مع أزواجهم، واكرهوا بعضكم حتى الثمالة وغضوا النظر عن المسؤول إشباعا لأحقاد الأزمان الغابرة، ثم رددوا بكل ثقة "العيب في الديمقراطية والدستور ومجلس الأمة"، وانسوا حقيقة أن كل دولة في العالم قد تعيش بدون برلمان ولكن من المستحيل أن تعيش دولة بدون حكومة.إنها يا سادة لحظة تاريخية تعيشها الكويت حيث كل الأطراف السياسية ضعيفة بدرجات متفاوتة، وما علينا كمواطنين هو التعبير عن رفضنا لاستمرار حالة الاحتقان المتواصلة في صناديق الاقتراع، فمن حقي وحقكم وحق وطني أن ننعم بقليل من الهدوء والاستقرار، فلا مجال للعمل والإنجاز وكل سنة تجرى انتخابات لمجلس الأمة وكل ستة أشهر تتبدل الحكومة... "كفاية وهم".