نريد حلاً... وليس بأي ثمن
تمضي الثورة السورية قدماً مخضبة بالدماء دون حل وسط، بانسداد أفقي وعمودي مع ضيق المخارج على الصعد كافة، فالمجتمع الدولي مصرٌّ على حلوله الباردة والمتدرجة التي لا تصل بأي حال إلى درجة الحسم العسكري، ولا حتى إلى فتح ممرات إنسانية آمنة، ناهيك عن رفضه المنطقة العازلة وتغاضي منظومته التركية حتى عن الرد على الاعتداءات على أراضيها التي استهدفت اللاجئين السوريين وأيضا بعض الأتراك.تعدد الأعذار الدولية لتبرير العجز في مساندة الثورة لا يمتُّ إلى المنطق بصلة، وقد تنوعت تلك الأعذار بين الحرب الأهلية وخشية التشظي إلى الخشية من الصراع الطائفي في المنطقة، وللأسف جميعها أعذار لا تستهدف سوى إعطاء مزيد من الوقت والفرص لهذا النظام بالتغول أكثر في القتل المجاني، وكأن إبادة الشعب السوري هي الحل لأزمات المنطقة، لأن حريته حركت الراكد وكشفت المستور ووضعت الجميع أمام مسؤولياتهم الدولية والأخلاقية.
وأمام انعدام الرغبة في المساندة تأتي المراوغات الدولية في وصف المسكنات وآخرها حبة الأسبرين (كوفي أنان) والمعوّل عليه دولياً في التهدئة حتى ظهور علامات الملل الشعبي من جدوى الحلول، وعندها تتم التسوية التي ترضي المنطقة، وهي بالطبع ستكون مكافأة للنظام السوري على إجهاض ثورة كانت ستقلب الموازين بالمنطقة لو تحقق مرادها. جريمة المجتمع الدولي بحق السوريين ليست بعدم نجدتهم ودعمم فحسب، إنما بغض الطرف وعدم الاكتراث حيال الدعم اللامحدود من قبل الهلال الفارسي أو الشيعي، لا فرق، بالمال والسلاح والرجال للنظام السوري إضافة إلى الدعم الروسي والصيني في الوقت الذي يحرم فيه الثوار من حبة الدواء وقطرة الماء!هذا يؤكد رأينا بأن الإجهاض هو المطلوب دولياً وإلا لكان المجتمع الدولي منع على الأقل الإمداد عن النظام السوري بحراً وجواً وبراً، وهذا يعتبر الحد الأدنى من المساندة، وها هم قادة الهلال يرفعون الصوت عالياً، ملوحين بالانتصار على الشعب السوري، وأنهم ماضون بدعم النظام مهما كان الثمن، ونائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي يؤكد في مقابلة مع قناة "الجزيرة" هذا الدعم من الحكومة العراقية بالمال والرجال وفتح الممرات، وخص بالذكر أتباع مقتدى الصدر.إرسال المراقبين الدوليين ليس حلا ولا نعول عليه كثيراً، فالشعب السوري يريد حلاً يعيد حريته المغتصبة، وهو أثبت مصداقية عالية ووفاءً منقطع النظير في سداد ضريبة الدم ودفع الثمن، وأي مراهنة على فتور همته أو عودته إلى البيت دون استعادة كرامته المهدورة خلال العقود الماضية خاسرة لا محالة... فالأم التي ودعت شهيدها بالزغردة، والآباء لن يقبلوا أقل من الحرية الكاملة فدية لفلذات أكبادهم، والشعب الذي تنسم الأوكسجين بالشارع لن يقبل جهازه التنفسي عودة الكربون الأول إلى أنسجته.