تحالفات نتنياهو تفتح مجالاً لأولمرت
يصدق الإسرائيليون نتنياهو حين يحذر من التهديد الوجودي الذي تطرحه إيران، لكنهم لا يشعرون بالهلع ويرفضون اعتبار إيران المسألة الملحة المشروعة الوحيدة.
كان يُفترض أن تشهد إسرائيل انتخابات مملة: لم تُطرَح أي أجندة حقيقية أو رؤية فعلية، وما من خطابات مهمة باستثناء تلك المتعلقة بإيران وجميع المسائل العاجلة التي سينقلها النظام السياسي إلى الجيل المقبل.لكن تُعتبر هذه الانتخابات تاريخية لسبب واحد: للمرة الأولى على الإطلاق، لا يتمحور النقاش حول علاقات إسرائيل مع العالم العربي أو مستقبل التعايش مع الفلسطينيين. يبدو أن "السلام" أصبح منسيّاً وأن الفلسطينيين يعيشون في عالم موازٍ آخر.
بعد الاندماج الغريب والجريء بين حزب الليكود الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزب "إسرائيل بيتنا" الذي ينتمي إليه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، يبدو أن هذه الانتخابات تحولت إلى أمر مختلف تماماً، فقد تساهم هذه التطورات في إعادة تحديد معالم الانقسام السياسي المبهم. بعد الدمج بين حزبَي نتنياهو وليبرمان، خطا اليمين الوسطي الإسرائيلي خطوة إضافية نحو اليمين المتطرف.يعني ذلك أن المعسكر الوسطي (ذلك الجزء المبهم والملكف من المشهد السياسي وذلك الفريق الذي يريد جميع السياسيين حول العالم الانتماء إليه) أصبح فارغاً الآن.نتيجةً لذلك، اتضح الاتجاه الذي يجب أن يسلكه المعسكر الوسطي اليساري المرتبك والمنقسم: إنه النهج الوسطي الذي يؤيده معظم الإسرائيليين.اتخذ الرأي العام الإسرائيلي خلال السنوات العشرين الماضية أكثر المواقف المتقلّبة وغير المتماسكة. في الملف الفلسطيني، مال الرأي العام بشكل ملحوظ إلى المعسكر اليساري. يدعم 65% من الإسرائيليين حل الدولتين شرط توافر محاور فلسطيني موثوق، لكن صوّت الناخبون الإسرائيليون لمصلحة اليمينيين وكأنهم أرادوا أن يضمنوا عدم تطبيق السياسة التي يريدونها. يصدق الإسرائيليون نتنياهو حين يحذر من التهديد الوجودي الذي تطرحه إيران، لكنهم لا يشعرون بالهلع ويرفضون اعتبار إيران المسألة الملحة المشروعة الوحيدة. هم أعادوا السلطة إلى نتنياهو مجدداً، ما يشير إلى أنهم لا يتوقعون منه التعامل بالشكل المناسب مع المسائل التي يعتبرونها مهمة: اللامساواة والتفاوت في المداخيل. لو كان الناخبون الإسرائيليون فرداً واحداً، لكانت ازدواجية المواقف ستطبع شخصية ذلك الفرد.هكذا ندور في حلقة مفرغة. ضمن نتنياهو بفضل تحالفه الجديد أن يبقى رئيس الوزراء لأنه سيصبح رئيس أكبر حزب بعد انتخابات 22 يناير. حين أدرك ليبرمان أنه استنزف جميع إمكاناته الانتخابية في حزبه المستوحى من حزب روسي (أي الحزب الذي يدعمه الإسرائيليون الذين هاجروا من الاتحاد السوفياتي السابق)، قرر الانتقال إلى تيار بارز في السياسة الإسرائيلية وطرح نفسه كزعيم مقبل لمعسكر اليمين. كان ليبرمان محقاً حين اعتبر أن توسع حجم الحزب يعني تحسين أداء الحكم وكان لتصريحه وقع كبير على الرأي العام. لكن المشكلة تكمن في واقع أن ذلك الحزب المزعوم قد لا يكون كبيراً بما يكفي وقد لا تحظى المبادئ التي يتبناها بتأييد واسع بحلول شهر يناير.يشير تحليل أعمق إلى أن هذا الكيان الجديد هو عبارة عن حزب يميني بامتياز ومن المتوقع أن يكسب تأييد نسبة أقل من الناخبين. لا يؤيد أنصار حزب الليكود موقف ليبرمان العلماني حول الزواج والأحزاب الدينية. قال بعض الناخبين والسياسيين التقليديين من حزب الليكود: "لا يمكننا التصويت لمصلحة حزب يؤيد أكل لحم الخنزير". هذه المعطيات قد تردع أنصار الليكود الذين ليسوا من كارهي الأجانب بقدر ما يُعتبر ليبرمان. وقد تردع الناخبين الشباب غير الروس الذين يصوتون في العادة لليبرمان ولكنهم يكرهون نتنياهو بشدة. وقد تردع الناخبين الروس الذين سيتعرضون للانتقاد من جانب أنصار الليكود بسبب ازدرائهم بالمجندين (هم من الأشخاص المتدينين التقليدييين الذين ينتخبون حزب الليكود).لكن النقطة المشتركة بين الجميع هي الموقف من العالم العربي ومقاربتهم تجاه الفلسطينيين وكرههم لعرب إسرائيل من ذوي الأصول الفلسطينية (يعيش 1.6 مليون شخص منهم داخل الأملاك الإسرائيلية). لكن هذا القاسم المشترك قد يضعهم في مواجهة بقية فئات إسرائيل والعالم أيضاً. في نهاية المطاف، قد تصل أحزاب متعددة إلى الكنيست، لكن لن يحصد أحد غالبية المقاعد.يملك حزبا الليكود و"إسرائيل بيتنا" معاً 42 مقعداً في الكنيست (27 و15 على التوالي). قد يفترض الكثيرون أن النتيجة الانتخابية بعد دمج الحزبين ستكون أعلى من النتيجة الفردية لكل حزب. إنه رأي منظّم الاستفتاءات الأميركي أرثر فينكلشتاين الذي أبلغ نتنياهو وليبرمان بمنافع هذا الدمج.لكن هذا التفكير خاطئ، فمن المنطقي أن نفترض كسب أقل من 42 مقعداً نتيجة اختلاف طبيعة الناخبين من الحزبين والتنافر القائم بينهما.لكن حتى في هذه الحالة، سيشكّل نتنياهو الحكومة ما لم تحصل أحداث لاحقة يمكن أن تغير قواعد اللعبة وتفتح المجال مجدداً أمام رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت الذي يمكن أن يرأس كتلة وسطية جديدة قد تنافس، إلى جانب حزب العمل، قوة الكيان الجديد الذي يحمل اسم "الليكود بيتنا".ما لم يقرر أولمرت الترشح (إنه قرار صعب بالنسبة إلى رجل كان ضحية انقلاب سياسي وقانوني في عام 2008)، سيترشح حزب "الليكود بيتنا" الجديد من دون منافسة على تشكيل الحكومة المقبلة. لكن إذا قرر أولمرت العودة إلى الساحة وأثار ضجة ضد الدمج اليميني، فقد يخوض نتنياهو وليبرمان رحلة شاقة.* قنصل إسرائيل العام السابق في نيويورك ومستشار شيمون بيريز ورئيس الأركان في عهد إيهود باراك وشلومو بن عامي. يعمل راهناً كمسؤول في منتدى السياسة الإسرائيلية.