جميل أن يرى الراصد لجيل الشباب المسرحي تطوره في «أبو الفنون»، بعد تجارب عديدة تراوحت في المستوى، إلى أن نضجت في أحدث تجربة، من خلال «محطة رقم 50» لفرقة المسرح الجامعي، التي شاركت بها في المسابقة الرسمية لمهرجان أيام المسرح للشباب التاسع.

Ad

النص كتبته تغريد الداود، ويلعب على ثيمة أساسية هي الانتظار، وقد تناولها الكثير من المؤلفين، منها نص «في انتظار غودو» لصمويل بيكيت، حيث شخصياته الأربع تنتظر مجيء غودو، لكنه لا يأتي ابدا، ونص «دمي محطات وظل» لقاسم مطرود، إذ ينتظر الرجل والمرأة وصول السائق الذي سيشكلهما بسيارته إلى العراق، ونص «مقهى المساء» للزميل الناقد شريف صالح عن الأم وقلبها الملهوف على عودة ابنها الغائب فتنتظره في مقهى محطة القطار.

في نص الداود يكون انتظار القطار، والحدث الرئيسي يجري في المحطة مع شخصيات تعيش أزمة اغتراب الإنسان وتهميشه، مثل المثقف والموسيقي والفنان وأي مبدع، فالكل يريد أن يرحل عن وطنه حتى عامل النظافة يتمنى أن يهرب، النص يقدم إشكالية الاغتراب والتهميش الإنساني في الوطن الذي ينتمي إليه، في ظل هيمنة القوى الدكتاتورية التي تسلط سيفها على رقبة كل مبدع.

وقد تعامل المخرج نصار النصار مع هذه الإشكالية كقضية إنسانية عالمية، عبر توكيدها تارة بالغناء باللهجة العامية المصرية أو اللبنانية، وتارة أخرى باللغة العربية الفصحى ثم الأجنبية، كما قدم إيقاعا مسرحيا سليما لعناصر العرض المسرحي، وخصوصاً التعامل الذكي مع الإضاءة حيث التوكيد والتركيز على قتامة الوضع أو الجو الرومانسي المفقود أو انتقاء تفصيل صغير، والانتقال من مشهد إلى آخر بواسطة تقنية «فلاش» الكاميرا.

واستخدم النصار خيال الظل لإبراز معاناة عامل النظافة عند مطالبته بتحسين وضعه المالي، والاعتماد على الغناء الحي الذي أبرز موهبة بعض الممثلين، واضفاء جرعات من الكوميديا المدروسة التي تعبر بسخرية عن الصورة القاتمة للوضع التعيس، والاشتغال على مفردات جمالية للعرض المسرحي، وقد أحسن تقديم نهاية مفتوحة لهذه القضية الإنسانية.

وبشر فريق التمثيل بقدوم وجوه جديدة تستحق الإشادة على مجهودها، وهم: عثمان الصفي، زينب خان، مبارك الرندي، محمد عبدالعزيز، خالد الثويني.

«محطة 50» عمل مسرحي جميل حقق شعار المهرجان «النص المسرحي بين فكر المؤلف ورؤية المخرج»، والمخرج النصار يستحق التحية على المستوى الذي صنعه على خشبة المسرح.