وداوها بالتي كانت هي الداء!
بعد رد قانون المسيء للذات الإلهية والنبي وآله بمرسوم أميري، صبّ عدد من النواب جام غضبهم على الحكومة التي وافقت على إقرار القانون بالإجماع، وكان في مقدمة هؤلاء النائب محمد هايف الذي قال: "لا ريب أنها صدمة لا نعرف كيف نفسرها للكويتيين والعالم"! وكذلك زميله وليد الطبطبائي الذي قال: "سمعة البلد والمواطن الكويتي من عدم إقرار قانون المسيء للذات الإلهية ضاعت"! وفي ندوة أقامتها الحركة السلفية قبل أيام بعنوان "مكانة الرسول بين رغبة الأمة وعبث الحكومة" توعد النائب محمد هايف سمو رئيس الوزراء بالاستجواب قائلا: "إذا لم تصوت الحكومة مع الأغلبية على قانون تغليظ العقوبة على المسيء للرسول وأصحابه... فهذه الحكومة ليس لها مصداقية وخذلت المسلمين، وهذه فضيحة كبيرة بحق الكويت"، وتبعه وليد الطبطبائي بقوله: "قانون تغليظ العقوبات على المسيء للرسول سيكون أول قوانين المجلس الجديد إذا حُل هذا المجلس"! أما النائب أسامة المناور فقال: "إذا لم يقر مجلس الأمة قانون تغليظ العقوبة على المسيء، فإنه لا يساوي 15 فلساً"! والحقيقة أننا لا نجد سبباً مقنعاً لغضب النواب على الحكومة لردها للقانون، فما هي إلا جهة منفذة لتعليمات سمو الأمير، والنواب الأفاضل يعلمون تماماً أنه حق كفله الدستور لسموه وعليهم الالتزام بما جاء فيه، خصوصاً أنهم ما فتئوا يحملون لواء الدفاع عن الدستور الذي أشك أن كثيرين منهم يعلمون ما جاء فيه من مواد، كذلك لا أرى أي داعٍ لـ"الفشْلة" التي يشعر النائبان هايف والطبطبائي بها لرد القانون، فالعالم "كله" ليس فيه قانون كهذا، وإن "عايركم" أحد برد القانون فقولوا له "خل يصير عندك قانون مثله وبعدين تعال كلمنا"! أما النائب أسامة مناور فله كل الحق في أن يعتبر المجلس بدون هذا القانون لا يساوي 15 فلساً، فهو ما أتى إلى المجلس إلا لأجل رغباته الدينية المتشددة التي بدأت بهدم الكنائس وقانون الاحتشام ثم قانون المسيء، وما دام المجلس لا يستطيع إقرار هذه القوانين فهو لا يساوي لديه 15 فلساً، لكنه بالتأكيد يساوي عند غيره خارج المجلس الكثير، فإن كان قد "طاب خاطره" من المجلس فما عليه سوى تقديم استقالته ومنح الفرصة لغيره وله منّا جزيل الشكر والامتنان على معروفه بنا! نعود إلى قانون المسيء الذي صاغته يد الطائفية والتشدد، وجاء كردة فعل غاضبة لم تنظر إلى عواقبه ونتائجه وكيفية تطبيقه، وهو قانون انفردنا به دون غيرنا عن العالمين، فحتى في أشد الأنظمة الدينية لم نسمع عن قانون أقر كهذا، والسيرة النبوية العطرة التي درسناها وعرفناها ترفض هذا القانون ولا تجيزه، فالرسول عليه الصلاة والسلام أوذي من قريش وأهلها 13 عاماً، فلمّا فتح مكة عفا عنهم أجمعين، ولما قام نفر من المسلمين بالطعن في عرضه في حادثة الإفك الشهيرة لم يقم بإعدام أي منهم بل اكتفى بجلدهم فقط، فعلى أي سند ديني أو قانوني أو دستوري استند النواب في تشريعهم لهذا القانون؟! وإن كانت الغاية من وضع هذا القانون، كما يقول النائب علي الدقباسي، "لردع كل من يتطاول على النبي، وطمعاً في شفاعة الرسول"... فبرأيي أنه لا يمكن في ظل التقنيات الحديثة ردع أي راغب في الإساءة باستخدام "بروكسي" للدخول إلى حساب وهمي ليقوم بكتابة ما يريد به دون أن يكتشف أحد هويته، أو أن يقوم بذلك أثناء وجوده في دولة أجنبية فلا يعرف أحد مكانه، أقول هذا وأنا محدود المعرفة بمثل هذه الأمور فما بالك بالضالعين فيها ولديهم ألف وسيلة لذلك! والحل لن يكون بإقرار قانون الإعدام هذا، بل بقانون "وداوها بالتي كانت هي الداء"، فالسبب الرئيس لهذا السب والشتم هو التشدد والتعصب الديني والطائفي، والكم الهائل من الخطاب غير المتسامح وغير المتقبل للآخر، وما صار بعض الناس يكرهون الإسلام إلا لكراهيتهم لبعض المتدينين المنفّرين، وما صاروا يشتمون الرسول إلا نكاية بهم، فإن أردتم حقاً وقف هذه الشتائم فانشروا التسامح والمحبة والقبول والتعايش مع الآخر، فبذلك تمنعون التطاول على النبي وترجون شفاعته، لا بإعدامكم غراً هنا وسفيهاً هناك!