لو أن الولايات المتحدة لم تتخذ، ومعها الغرب الأوروبي بكل دُوَله الرئيسية، هذا الموقف المائع الذي يغلب عليه التردد تجاه ما أصبح ثورة سورية فعلية وحقيقية، ولو أن الروس بقيادة سيرجي لافروف لا فلاديمير بوتين لم يواصلوا التآمر على الشعب السوري بطريقة قذرة ومكشوفة، ولو أن إيران (الملالي) لم تدخل هذه الحرب منذ اللحظة الأولى، بل قبل اللحظة الأولى، على أنها حربها وحرب مشروعها الشرق أوسطي، لما بقي بشار الأسد "صامداً"! ومتمسكاً بموقفه حتى الآن، ولبادر باكراً إلى حَزْم حقائبه وحقائب أولاده وتحويل أرصدته المالية وهي بعشرات المليارات، ولفرَّ لا يلوي على شيء إلى مكان آمن لا يستطيع أصحاب الثأر، وهم كثيرون جداً، الوصول إليه كما وصل الموحدون (الدروز) إلى أديب الشيشكلي وقتله في البرازيل في أميركا اللاتينية في عام 1964.

Ad

خلال وجوده في القاهرة، التي ما كان يجب أن يُستقبل فيها ولا في أي عاصمة عربية أخرى، قال لافروف، بعدما رفض اقتراحاً للمبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي بضرورة صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي بتشكيل الحكومة السورية الانتقالية التي جاءت في بنود مبادرة كوفي أنان الستة، إن روسيا الاتحادية لا يهمها أي شخص في سورية حتى بشار الأسد وإن ما يهمها هو الشعب السوري، وحقيقة أن في هذا جانباً فيه الكثير من الصحة والصواب بينما الجانب الآخر هو نفاق وخداع وهدفه تشكيل غطاء للأطماع الروسية في هذا البلد العربي، الذي غدا مدمراً ومنكوباً، وفي المنطقة الشرق أوسطية كلها.

إننا نصدق لافروف، هذا الذي وصفه الأخضر الإبراهيمي بأنه النجم الدبلوماسي الدولي الصاعد فطرب لهذا الوصف حتى حدود التمايل شمالاً ويميناً، عندما يقول إن بلاده، روسيا الاتحادية، لا يهمها الأسد على الإطلاق، فهذه حقيقة واضحة ويدلُّ عليها أنه لو أن الروس يهمهم فعلاً مصير الرئيس السوري الذي سيكون مصيراً أسود في كل الأحوال لما بقوا يخوضون معركته سياسياً وعسكرياً ولما بقوا يشجعونه على القتل والاستمرار في القتل إلى أن أصبحت أيديهم ووجوههم بالإضافة إلى يديه ووجهه ملطخة بدماء السوريين، ولأفهموه منذ البدايات أن عليه أن يرحل ويغادر بسلام مادام شعبه مصراً على مغادرته ورحيله.

لا يمكن الادعاء أن الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة ليس له مصالح في سورية وفي المنطقة هي التي جعلته يتخذ هذا الموقف الذي لايزال مائعاً، فالعلاقات الدولية، إنْ صداقةً أو عداوة، هي مصالح، ولهذا فإنه لا يوجد "أكْذَبُ" من روسيا عندما تتحدث على لسان لافروف أن ما يهمها هو الشعب السوري إذْ لو أن هذا صحيحٌ لما بقيت تسابق بشار الأسد على القتل والتدمير، وإذْ لو أن هذا صحيح لما لجأت إلى استخدام حق النقض "الفيتو" ثلاث مرات كي تمنع مجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرار يضع حداً لهذه المأساة التي تجاوزت الحدود.

ستبقى روسيا متمسكة بهذا الموقف الانتهازي الذي بادرت إلى اتخاذه منذ بداية هذه الأحداث المؤلمة، وهي بالتأكيد ستواصل عنجهيتها ما لم يبادر العرب وبخاصة عرب الخليج العربي إلى إشعارها، بالأفعال لا بمجرد الأقوال، بأنها إذا لم تغير هذا الموقف وتتوقف عن المشاركة في سفك دماء السوريين فإن الثمن سيكون مصالحها الحيوية في هذه المنطقة، وهذا يجب أن ينطبق أيضاً على كل الدول العربية المعنية فعلاً بإنقاذ سورية والشعب السوري من هذا الدمار ومن هذه المجازر والمذابح البشرية.