أبلغني صديق عزيز جداً بأنه ينوي استكمال دراسته خارج البلاد مما أسعدني لأنه سيلتحق بجامعة مرموقة في عاصمة جميلة، وسألته عمّا إذا كنا سنراه في إجازة الكريسماس، فأجابني بالنفي، وقال إنه بحاجة إلى فترة نقاهة خارج البلاد لمدة طويلة وذلك بسبب ما آلت إليه ظروف البلد، مما جعلني أتساءل: إذا فقد شبابنا الواعي المخلص والناجح في عمله الأمل في إصلاح حال البلد وفضل الهجرة، فمن الذي سيبقى للكويت؟
هل سيرتقي البلد عن طريق نواب المجلس؟ إن كانوا على شاكلة نواب مجلسي 2009 و2012، قولوا على البلد السلام! وهل سينهض البلد عن طريق السلطة؟ في ظل داء اللامبالاة المتفشي بين مسؤولي البلد، يتراءى لي أن بعض أعضاء السلطة مهتمون بعدم إزعاج رؤسائهم أكثر بكثير من أداء المهام الوظيفية المنوطة بهم.من سيقود البلد إذن؟ لا مسؤولين من طراز "فكوني من هل اللغوة"، ولا نواب عندهم مصداقية خارج مصالحهم الانتخابية الضيقة، ولا طبقة مستنيرة قادرة على الإمساك بزمام الأمور، إما بسبب استبعادها عمداً، وإما- كحال صديقي- بسبب فقدانهم الأمل في أي تغيير مجتمعي سياسي اقتصادي جذري في الوقت الحالي.بإمكاننا التنظير وتراشق الاتهامات والتصفح في تاريخ السنوات الست الماضية للبحث عن أطراف عدة يمكننا إلقاء اللوم عليها، ولكن هذا لن يجدي بشيء ولن يعيد الأمل لكل من فقده في مستقبل الكويت، ولا أعتقد أن العقل والمنطق يسمحان لنا أن نؤمن بنظرية things will get better، ولكن ما نستطيع قوله الآن هو أن البلد ليس بخير، والأمور لن تتحسن، والأجيال القادمة ستوعى على بلد شعبه تنشب فيه مخالب الأنانية والمادية، ومسؤولوه كسالى وسلبيون.لكن لابد من وجود من يضحي ويتحمل المشقات من أجل تعديل الأمور، لا بد ممن يوفر القدوة للقلة من شبابنا الذين يسعون إلى خدمة البلد عن طريق العمل والإخلاص، لا بد ممن يكون ضحية فساد إداري يظلمه ولكن لا يعرقله في الاستمرار بإخلاص، لا بد ممن يضحي بمستقبله الوظيفي من أجل الإبلاغ عن عملية فساد أو اختلاس، لا بد ممن يوضع في مواقف حرجة بين قيادات تتنافس على السلطة من خلال صغار موظفيهم، لا بد ممن يتم التشكيك في وطنيته لمجرد أنه عمل مع السلطة أو لأنه خرج إلى الشارع معارضا لها، لا بد ممن يُزال من منصبه- ليس لعدم أحقيته- لكن بسبب واسطة منافسه المنتمي إلى طبقة متنفذة!لا بد من كل هؤلاء أن يستمروا في عملهم وكفاحهم من أجل الكويت لأن قصصهم تجسد عِبراً لتاريخها، ذلك التاريخ المنسوج بحكايات الرجال الذين تغلبوا على أهوال الغوص من أجل لقمة العيش، وتجاوزوا أطماع الجيران من أجل استقلال مجتمعهم الساحلي المنفتح، واجتازوا محنة الغزو العراقي، فنحن الكويتيين باقون، وحتى إن شوهتنا ظروفنا الحالية فما زلنا قادرين على أن نقف مرفوعي الرأس بما صنع آباؤنا، وبما نحن قادرين على أن نصنع إذا ما تم التركيز على تنمية البلد بدلاً من النهش في وجدانه.لذا، أقول لصديقي المهاجر، ارحل إلى بلد الغربة، ابتعد عنا قليلاً، "غيّر جو"، تأمل في المستقبل لكن لا تترك بلدك إلى الأبد فإن كنت تعتقد أنك قادر على أن تستغني عنه، فهو في أمس الحاجة إليك، فالكويت بلد باق وأنت منه يا صديقي.أتركك مع كلمات الشاعر الراحل عبدالله العتيبي لعلها تلهمك بالعودة يوما ما:"نحن نبني هياكل النور لكنكم ضياء وأدنا انبثاقهكلما لاح في سمانا هلالواستوى بدره صنعنا محاقهإيه يا صوتنا القديم أغثناقبل أن ندمن الدجى وانغلاقه"
مقالات
إلى صديقي المهاجر مع التحية
28-07-2012