مشاهد استجوابية
لدينا زحمة سياسية لا فكاك منها على المدى المنظور، في حالة ضياع هوية سياسية غير مسبوقة. إلا أنه بالمقابل وللتاريخ هناك ملامح تطور سياسي إيجابي فرضتها الظروف غير المحسوبة.للتفسير، كنت أكرر دائماً أن الطريقة الوحيدة للخروج من حالة الهلع والاستنفار التي ترافق أي استجواب هي بالإكثار من الاستجوابات، وجعلها أمراً عادياً لا ينتج عنها بالضرورة طرح للثقة، وحتى إن تم تقديم طلب طرح ثقة فهو ذاته، ومع تكراره سيصبح أمراً عادياً هو الآخر.
ومع أننا ندرك أن المشهد الاستجوابي أو الاستجوابات الحادثة أمامنا الآن، هي نتاج للأزمة الطاحنة التي مرت بها البلاد في ثلاث سنين خلت، وأن ما نراه من تكالب استجوابي له مبرراته المرتبطة بتداعيات تلك الأزمة والتغيرات في ميزان القوى، سواء على مستوى رئاسة الوزراء أو تركيبة مجلس الأمة، فإن العبرة بالنتائج العامة وسياقها التاريخي بغض النظر عن التفاصيل. فمن الممكن مثلاً القول إن حدثاً تاريخياً مهماً في التطور السياسي، كفصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء، كان قد تم لأسباب صحية ولم يكن لأسباب سياسية، ولكن بغض النظر عن التفاصيل فإن ذلك الفصل يمثل تحولاً سياسياً تاريخياً أتاح للعملية السياسية أن تتطور بصورة لم تكن محسوبة، ولم تعد مهمة أسبابها بل نتائجها وانعكاسها على سيرورة العملية السياسية. ويقاس على نفس المنوال أزمة الحكم، وكيف تم حلها باللجوء إلى مجلس الأمة، وغيرها أيضاً من الأحداث.الحدث التاريخي الأهم هو أن سمو رئيس الوزراء تم استجوابه بجلسة علنية في أيامه الأولى، وهذا الأمر هو حدث تاريخي بكل المقاييس ضاع وسط الزحام السياسي، كذلك استمرارية الاستجوابات بأقل قدر من شراء الذمم النيابية، وبدون تخوين للمستجوب، أو القول بتعطيل الاستجوابات للتنمية، بل تسلسل عادي سلس كما كان يفترض أن تكون عليه الأمور منذ زمن طويل.تفاصيل النواب ومشاكساتهم وضياعهم وتوهانهم ليست هي المهمة، فهم يحاولون أن يضعوا صورتهم في الإطار قسراً وعنوة، لكن التاريخ تتم صناعته الآن خارج إطارهم، شاؤوا أم ابوا، وشاءت الحكومة أم أبت، وسواء أدرك النواب والحكومة تأريخية الحدث وأهميته أو لم يدركوا.