ثقافة الدم... بين الموروث والمكتسب
ظهور الثورة السورية في حياتنا حدث جديد لم نعهده من قبل، حيث القائد الملهم واللون الواحد والطاعة العمياء لم يخلفوا إلا ركاما من الاستبداد والفساد، ولذلك ازدحمت الحوارات وتنوعت بين المتفائل والمتشائم، ومرت أيام الثورة عصيبة لكنها كانت تزداد رسوخاً وزخماً، حتى باتت المراهنة على توقفها ضربا من المستحيل. ولكن السؤال الذي كان يتردد دائما هو: هل سنشهد "حماة" أخرى في قمع الثورة؟ وكانت الإجابة نخبوية المنشأ تؤكد عدم تكرارها لاختلاف الزمن والظروف والأهداف؛ ناهيك عن تطور تكنولوجيا الاتصالات والفضاء، إضافة إلى تغير ذهنية المجتمع الدولي، بحيث بات أكثر قرباً من الإنسان وحقوقه رافضاً التجاوزات الكبيرة دوليا. لا شك أن إجابة كهذه تعتبر سطحية ومصابة بعمى الألوان لأنها لم تأخذ بالحسبان مصالح الدول وسلوك الإنسان، وتأثيرهما في حياة الشعوب ومستقبلها في النهج والمنهاج، فالمرء مهما عبّ من المعارف ومهما اكتسب من الصفات العلمية فلن تحدث في سلوكه متغيراً نوعياً أكثر مما اكتسبه تربية في بيئته، ورضعه لبناً من ثدي أمه، وحمله جينةً من نطفة تخلقه. ولهذا كانت المراهنة على حضارية وريث العرش السوري وعلميته وخلفيته المدنية ضرباً من الخيال، فحرب الإبادة التي يمارسها على شعبه والتي فاقت في فظاعتها كل تصور، بل تجاوزت مسمى "الجرائم ضد الإنسانية" إلى وصفها "بجرائم إزالة الإنسانية"، وحسب المرصد السوري فإن مدينة حمص أضحت مدينة أشباح بعد أن هجرها 80% من سكانها، ولم يتبقَّ فيها سوى ألف عائلة، وتستغيث لإجلائها إضافة إلى مدن كثيرة تتعرض للدمار وباتت على أعتاب الكوارث الإنسانية وأمام العالم أجمع. والمراهنة على السلوك الدولي الذي يستند في سياساته إلى منظومة مصالح صلدة الطابع، تضيع في جنباتها ودهاليزها المصلحية قيم الحق والعدل والإنسان، جعلت النظام يتغول بالدم حتى الثمالة لقراءته الدقيقة للحال الدولية، ولا ندري إن كان زوال سورية سيغير الوجهة الدولية ويحرك ضميرها المنفصل. أنت لا تملك ثروة ولا نفطاً ولا مناجم ذهب؛ إذن أنت مولود غير شرعي ومجرد من الحقوق والكرامة الإنسانية، هذه هي الشرعية الدولية التي يريدون تطبيقها على الشعب السوري من خلال تسويات بأنصاف حلول تكون فيها روسيا وإيران صاحبتي القرار في مستقبل سورية وثورتها من خلال فكرة "مجموعة الاتصال الدولية"، ناسين أن ميناء النظام الطرطوسي يستقبل شهريا السفن المحملة بالعتاد والسلاح والمؤن الواردة من هاتين الدولتين اللتين لا تنفكّا عن دعم نظام القتل بكل السبل المتاحة. فالثورة ماضية ولا تملك إلا الاستمرار لتحقيق أهدافها مهما ارتفع الثمن.