حتى لا تتمزق سورية وحتى لا تتحقق أماني الذين غدوا يراهنون على مثل هذا التمزق للادعاء بأن نظام الأسد، الأب والابن، هو الذي حافظ على وحدة هذا البلد، وهو الذي حال دون اقتطاع جزء منه لإقامة الدويلة الطائفية التي ازداد الحديث عنها بعد كل هذه التطورات الأخيرة، فإن على المعارضة السورية أن تضع وحدتها، لا التنظيمية بل وحدة برنامجها السياسي ووحدة قرارها الوطني، فوق كل الاعتبارات الحزبية وفوق كل النزعات السلطوية التي عرفتها ثورات كثيرة سابقة ولاحقة إن في منطقتنا العربية وإن في بلاد الله الواسعة. وهذه المناشدة موجهة أولاً إلى الجيش السوري الحر الذي هو الأقدر على ضبط الأمور وقطع الطريق على فوضى متوقعة كانت مرَّت بها كل ثورات العالم الناجحة والفاشلة ومنع أي بروز سياسي لكل هذه "الألوية" التي نسمع عنها ونسمع تصريحات المتحدثين بأسمائها؛ فاستشراء مثل هذه الظاهرة يسهّل للذين يريدون تقسيم هذا البلد والذين باتوا يرفعون شعار: "إما أن تكون سورية الأسد وإلاّ فلتذهب وحدتها إلى الجحيم وإلى الأبد"، ولهذا فإن الضرورة تقضي بالإسراع لضبط الأمور منذ الأيام الأولى، لأن ضبط الأمور على أبواب دمشق سيكون ثمنه مكلفاً جداً، ولأن النزعة السلطوية وقتئذ قد تتغلب على كل التوجهات الوطنية. ربما يعرف الثوار السوريون، وهم يعرفون هذا بالتأكيد، أن الثورة الجزائرية قد منعت الظاهرة الفصائلية في صفوفها، وباللجوء إلى القوة في أحيان كثيرة، وذلك لأن أكثر ما كانت تخشاه هذه الثورة العظيمة هو أن تتدخل الرغبات الخارجية في صفوف ثوارها، وأن تأخذ النزعة الفصائلية نزعة انشقاقية وانقسامية تنعكس على مستقبل الجزائر الحرة المستقلة التي كانت ولا تزال مستهدفة في وحدتها، والتي كادت تقع فريسة للتمزق والتشظي لو لم يدخل هواري بومدين على رأس جيش التحرير من منطقة "الحرَّاش" في اتجاه "القصبة" و"حيدرة" في العاصمة، ويجسد وحدة البلاد على أرض الواقع مدعوماً بصيحات الجزائريين: "تسع سنوات مباركات". وربما يعرف الثوار السوريون أيضاً، والمؤكد أنهم يعرفون، أن هذا النظام السوري الذي أوصلوه إلى مشارف السقوط كان يتسلل ليفرض أجنداته على الثورة الفلسطينية وبالتالي على الشعب الفلسطيني، من خلال عدد كبير من الفصائل التي تم إنتاجها في أقبية مخابراته التي أفرزت قيادات تابعة لها، وهؤلاء هم الذين قاتلوا ياسر عرفات في بيروت وقاتلوه لاحقاً إلى جانب الإسرائيليين في طرابلس اللبنانية، كما أن هؤلاء هم الذين شكلوا ما كان يسمى "جبهة الرفض الفلسطينية" لصاحبَيها حافظ الأسد ومعمر القذافي، لتعطيل البرنامج الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية. ولهذا فإنه على الجيش السوري الحر وعلى المعارضة السورية ككلٍّ ضبط الأمور منذ الآن، ويجب ألا تفكر أي جهة وأي حزب في الانفراد بالحكم؛ فالشعب السوري، مثله مثل الشعب الليبي والشعب التونسي والشعب المصري وسابقاً الشعب العراقي، كان قد ذاق الأمرّين من سلطة الحزب الواحد ومن حكم القائد الأوحد، والمؤكد أن هذا الشعب بعد كل هذه التضحيات العظيمة بات يريد فترة لالتقاط الأنفاس وعدم زجه في صراعات جديدة بينما هو في حاجة، بل في أمس الحاجة، أن يبدأ على الفور التأسيس لنظام تداولي وتعددي مرجعيته صناديق الاقتراع يساوي بين كل أبناء شعبه، بغض النظر عن طوائفهم المتعددة، وعن انتماءاتهم العرقية الكثيرة.
أخر كلام
المعارضة السورية... الوحدة ثم الوحدة!
23-07-2012