حركات دستورية
طالعتنا صحف يوم الأربعاء الماضي بخبر إحالة اللجنة التشريعية التعديلات المقترحة على صلاحيات المحكمة الدستورية إلى مجلس الأمة. ورغم طول الانتظار لإعادة النظر في قانون المحكمة الدستورية فإن "الإخوان" نجحوا في تحويل الفرصة إلى نقطة تأزيم محتملة بإضافة مقترحين حول إحالة صلاحية تفسير المواد إلى مجلس الأمة وتدخل المجلس والحكومة في تعيين قضاتها مما يبدو كانتهاك واضح للمادة (50) من الدستور حول فصل السلطات... أو على الأقل هذا ما يمكن فهمه من صياغة الخبر المبهم.فالمذكرة التفسيرية لا تحسم الجدل... ومن الصعب الحكم على مدى فعالية مثل هذه الاقتراحات من تجارب الدول الأخرى، فلا تملك الكثير من الدول محكمة "دستورية" منفصلة تعنى بدستورية القوانين بل تمنح هذه السلطة لمحاكم التميز كما في الولايات المتحدة الأميركية.
وتعد النمسا أول دولة تشكل محكمة دستورية منفصلة وذلك عام 1920.ولكن سواء كانت محكمة دستورية أم محكمة تمييز عليا يفترض في قضاتها بالإضافة إلى الكفاءة والخبرة الفنية، الحياد وعدم تعارض المصالح الشخصية والسياسية.فعلى سبيل المثال يشترط لعضوية المحكمة الدستورية لجنوب إفريقيا عدم مشاركة المرشح في أي حكومة أو برلمان أو حزب سياسي. ولا يتم التعيين إلا بموافقة رئيس الدولة. ولقاضي المحكمة الدستورية العمل فيها لدورة واحدة من 12 سنة، ولا يتم التمديد له إلا باستثناء من البرلمان. أما في الولايات المتحدة، فيرشح رئيس الدولة القاضي لمحكمة التمييز العليا ويصادق عليه مجلس الشيوخ، وتكون عضوية القاضي مدى الحياة ما لم يستقل أو يتقاعد أو يتم إقالته لأسباب قانونية.ففي الدول الديمقراطية تأتي قرارات تعيين قضاة المحكمة المعنية بالقضايا الدستورية من رئيس الدولة (السلطة العليا) مع رقابة شعبية لضمان التوازن والموضوعية.ومع ذلك تتحول قضية التعيين إلى صراع سياسي في كثير من الحالات.هذا ما يجعلنا نتوجس من فكرة تدخل المجلس أو الحكومة في اختيار قضاة المحكمة الدستورية كونها السلطة الأعلى لحماية الدستور والحريات العامة. فأن تتحول المحكمة الدستورية إلى أداة أخرى في يد أي جماعة سياسية، هي فكرة مرعبة في حد ذاتها خصوصاً مع المراهقة السياسية العامة.لذا نأمل أن نكون قد أسأنا فهم المقترح لا أن يكون مجرد تكتيك آخر لـ"الجماعة" لضمان المزيد من السيطرة والاحتكار في المستقبل غير البعيد... فالتاريخ وواقع الحال في مصر وتونس لا يشجعان على إحسان النية.