السؤال الدائم مع كل معرض كتاب، والذي سيتكرر هذه الأيام ولا شك، هو: ما هي الكتب التي تقترحونها للاقتناء؟

Ad

والحقيقة أني كنت دائماً أحاول في كل مرة أن أجهز قائمة منوعة لكتب أراها جديرة بأن تقتنى، فأنشرها في مدونتي على الإنترنت لتكون جاهزة لمن يطلبها، إلا أنني بعدما تأملت في الموضوع، وجدت أن هذه الطريقة لم تكن صحيحة أبداً، وذلك لأكثر من سبب. وأرجو ألا تفهموني خطأ، فلست ضد فكرة أن ينصح أحدهم أحداً بكتاب جيد، وأن يتحدث أو يكتب عن تجربته خلال قراءة هذا الكتاب، بل على العكس، أنا ممن يحبون قراءة هذا النوع من الكتابات، ويبحثون عنها، لكن ما أقصده هو تلك الطريقة المتمثلة في تقديم مقترحات بأسماء كتب، عبر عرض عناوينها فقط، وربما طرف من معلومة عن محتواها، وتقديمها للناس بعد ذلك وكأنها قائمة صالحة للجميع. أنا ما عدت أؤمن بهذا أبداً.

الكتاب في نظري، أي كتاب، هو مزيج من ثلاثة أمور: المحتوى، علمياً كان أو فكرياً أو غيره، ومزاج الكاتب ونظامه الفكري وأسلوبه، عندما قام بتحويل هذا المحتوى إلى صيغة مكتوبة، ومزاج القارئ ونظامه الفكري وكذلك أسلوبه، عندما قام بقراءة هذا المحتوى، وبالتالي فإن هذا المزيج سيكون دوماً فريداً وخاصاً بكل قارئ تجاه كل كتاب جديد ومختلف، وسيكون لذلك مختلفاً غالباً ما بين القراء تجاه الكتب المختلفة.

يقولون في الحكمة إن "الإنسان لا يمكن أن يسبح في ذات النهر مرتين"، قاصدين بذلك أن مياه النهر دوماً متجددة، وأن الإنسان يستحيل أن يسبح في جزيئات الماء ذاتها التي سبح فيها في المرة السابقة. ويحلو لي بعد هذه السنوات الطويلة من السياحة في عالم الكتب، أن أقول إن القراءة كذلك، فأنت لا تقرأ ذات الكتاب مرتين أبداً، حتى لو قرأته فعلاً مرتين، وذلك لأنك حين تأتيه في المرة الثانية تكون قد جئت في الغالب بمزاج آخر، نتيجة لاكتسابك ذخيرة علمية وفكرية ونفسية جديدة، نبعت من تجاربك في الحياة، ومن قراءاتك الأخرى وغير ذلك، بل لعلها تكون قد نبعت من الكتاب ذاته عندما قرأته في المرة الأولى، ففتح في عقلك وخيالك ونفسك آفاقاً أرحب، نحو أفكار وأمور لم تكن موجودة عندك في السابق، أو لعلها كانت كامنة فتحررت، فصارت جسراً مهيأً لإيصالك نحو ما هو أبعد منها.

لهذه الأسباب، ومن تجربتي الشخصية، وكذلك من مشاهدات كثيرة وملاحظة للقراء من حولي، وكيف أنهم لطالما كانوا يختلفون في آرائهم تجاه الكتاب الواحد، وكيف أن هناك من عشقوا وأشادوا كثيراً بكتاب ما، لأجد في الوقت ذاته من لم يحبوه وربما كرهوه وذموه، صرت على قناعة بأن الأفضل كثيراً من أن أقدم قائمة بأسماء كتب مقترحة للاقتناء من معرض الكتاب هذا أو ذاك، هو أن أنصح أن يذهب الشخص بنفسه وأن يعطي نفسه فرصة للتصفح والتعرف على ما سيوافق هوى نفسه من الكتب. ولا مانع عندي من أن يذهب مع غيره يومها، ولكن ليحرص على أن يكون هناك، بقدر الإمكان، في خلوة مع الكتب للتعرف عليها واختيار ما سيحبه منها، فهو من سيقوم بقراءتها لا غيره، والأمر منوط في الأول والآخر بالحب، فالحب دوماً كان هو المفتاح الذي يفتح أصعب المغاليق. الكتاب الذي ستحبه ستقدم على قراءته، والكتاب الذي لن تحبه لن تقرأه.

ليذهب الواحد إلى معرض الكتاب، وليصافح الكتب ويتصفحها بهدوء وروية. لينظر إلى العنوان ويتعرف على المؤلف، إن كان قد كُتب عنه شيء على غلاف الكتاب، ولينظر في الفهرس ليتعرف على المحتويات، وليقرأ المقدمة على عجالة ليعرف ما يريد الكاتب من كتابه، وليقفز بعدها بين فصول الكتاب، فيقرأ فقرات كاملة من مختلف الصفحات، ولينظر حينها إن كان فهم المراد واستساغ الأسلوب فأحب الكتاب أم لا، فإن كان أحبه اقتناه، وإلا وضعه على الرف وقصد غيره، بغض النظر عما ناله الكتاب من مديح أو ذم، سواء من الصحافة أو القراء. وهذه العملية لن تستغرق بعد إجادتها، إلا دقائق معدودة وستعفي الإنسان من شراء تلك الكتب التي لطالما اكتشف أنها غير صالحة له بعدما اشتراها.

والأمر الآخر هو عدم الاندفاع كذلك وراء إغراء الكتب الجديدة، فليس كل كتاب جديد سيكون جيداً بالضرورة.

هذه كانت نصائحي للقادمين الجدد إلى عالم القراءة، وأما السابقون فهؤلاء في ظني قد شقوا دربهم، وصاروا يعرفون ما يريدون تماماً، أليس كذلك؟ أتمنى ذلك.