قد يعتبر بعض النقاد فوز الصيني مو يان بجائزة نوبل لهذا العام خروجا عن التقليد الذي صاحب المؤسسة، والذي تمثل بتصنيف الأدباء وفقا لمواقفهم وانتماءاتهم السياسية. وصرحت المؤسسة بشيء من البجاحة أنها منحت الجائزة للكاتب الصيني بغض النظر عن انتمائه للمعسكر الصيني الشيوعي. تلك كانت المرة الأولى التي تمنح فيها الجائزة لكاتب ليس فقط لا يعارض السياسة الصينية، لكنه أحد أركان هذه السياسة، فهو نائب اتحاد كتاب الصين.

Ad

وحين نتناول سياسة الجائزة كقراء عرب تصيبنا الريبة من منهاجها النخبوي ومناهضتها للشعراء والروائيين العرب الذين حققوا مشروعا أدبيا مميزا وانسانيا الى حد كبير لا يقل عن أقرانهم ممن فازوا بالجائزة. فاذا كانت الجائزة على حد تعبير مؤسستها لا تنظر الى انتماء الكاتب فلا يجد حتى نقاد الغرب مبررا في حجب الجائزة عن كتابنا، والحال في الصين لم يكن قبل عامين أقل سخطا من الحال العربية، فلقد هاجمت الصين الأكاديمية السويدية قبل عامين بشدة لمنحها المعارض الصيني الديمقراطي لياو تشابو جائزة نوبل للسلام وبلغ حد الغضب الى توتر العلاقات بين النرويج التي ترعى الجائزة والصين. يومها منعت وسائل الاعلام الحديث عن الجائزة وصدر بيان عن الخارجية الصينية ينتقد الجائزة ويصفها أنها أداة في أيدي الغرب ولخدمة مصالحه.

بعيدا عن سياسة الجائزة فإن الروائي الصيني مويان رواية بحد ذاته. في صيف عام 2000 نشرت دورية عالم الأدب اليوم مقالا كتبه أستاذ الأدب الآسيوي في جامعة هارفارد ديفيد دير-وي وانج عن عوالم مويان الروائية تناول فيه حياته الغريبة حيث ولادته في عام 1955 لعائلة من المزارعين في مدينة جاومي في مقاطعة شاندوغ. لم تعرف المدينة التي ولد بها أنها منتجة للأدب والأدباء. انتهت حياته الدراسية عام 1966 بعد الانهيار الثقافي في الصين عند السنة الخامسة فقط. وفي طفولته تلك عاد الى المزرعة، ثم انتقل الى العمل في أحد المصانع قبل أن يتركه للالتحاق بالعسكرية. لم تكن هذه الحياة تنبئ أبدا بأن هذا الشاب سيكون روائيا أو حتى دارسا للأدب، لكن حياته تغيرت في الجيش ليمضي سنواته الخمس في التعلق بالأدب والكتابة.

استعار جوان موي، وهو اسمه الأصلي، اسما مستعارا يكتب به هو مويان ويعني في الصينية "لا تتكلم"، وكان يرى أن في الصين نظاما لا يحتمل الكلام، و"استطاع أن يحافظ على رأسه فوق الماء" كما يقول مترجمه الاميركي هوارد جولدبلات، الخيط الرفيع الذي يعتقد النقاد أنه حافظ به على حياته لا يراه الأدباء الصينيون كذلك، انهم يؤكدون أن الرجل متماه تماما مع سياسة السلطة وموقعه كنائب رئيس لاتحاد الكتاب في الصين جعله يكرس دور الرقابة في بلده ويعارض منتقدي سياستها من النقاد والأدباء أما المتعاطفون معه فيرون أن الأدب يجب أن ينظر اليه كعمل مستقل عن صاحبه ونظرته السياسية.

بالتأكيد فرحة الصين به والتي نشرت خبر فوزه مباشرة على قنواتها الرسمية لم تكن كذلك حين فاز مواطنه المهاجر الفرنسي جاو زنغجيان عام 2000 والذي يرفض الفائز الأخير أن يلتقي به أو بسواه من مناهضي سياسة بلده. لو قدر للصين أن تمنح جوائز نوبل لتعلمنا من الأكاديمية السويدية التي نسخط عليها كل عام معنى الرأفة. أما لو قدر لعالمنا العربي أن يمنح تلك الجائزة فأترك لخيالكم أن يتخيل ما قد يحدث. يا إلهي!