عندما قلنا وقال غيرنا إنَّ إسرائيل هي التي تُعطِّل الحسم في سورية وهي التي تحول دون إسقاط بشار الأسد، فإن مَنْ بقي من فلول ما سمي "فسطاط الممانعة والمقاومة" قد "برموا" شفاههم تعجباً واستنكاراً، وقالوا بل إن الإسرائيليين ومعهم الغرب و"الإمبريالية العالمية"، التي تقف وراء كل هذا الذي جرى ويجري، هم الذين يريدون التخلص من نظام ممانع يقف في وجه التفريط والمساومة ولم يعد هناك مساند غيره للمقاومة الفلسطينية واللبنانية وكل "المقاومات" في الكرة الأرضية!

Ad

وأيضاً وعندما قلنا وقال غيرنا إن هذا الدور الذي تقوم به روسيا، التي عطَّلت كل حلول الأزمة السورية المعقولة السابقة واللاحقة، هو دورٌ إسرائيلي بالدرجة الأولى، لأن إسرائيل إن لم تستطع الحفاظ على هذا النظام الذي حافظ على حدود الجولان المحتل هادئة وصامتة صمت أهل القبور نحو أربعين عاماً، فإنها مع إفشال كل محاولات التهدئة والحلول السلمية كي يدمِّر هذا البلد نفسه بنفسه، وهذا هو ما حصل فعلاً، وهذا هو ما قام به سيرجي لافروف ولايزال يقوم به والمتوقع أن يواصل القيام به.

في آخر زيارة للرئيس الإسرائيلي إلى موسكو، التي كانت قبل أيام قليلة، قال شمعون بيريز مخاطباً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تدل مواقفه وأفعاله على أنه صهيوني أكثر حتى من مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتزل: "على مدى سنوات طويلة ساد الهدوء على حدودنا مع سورية، ونحن نريد لهذا الهدوء أن يستمر"، ومعنى هذا أن الإسرائيليين يريدون بقاء بشار الأسد لتبقى حدودهم على جبهة الجولان هادئة، وبالطبع فإن هذا هو الدور الذي تقوم به روسيا "البوتينية"، والذي ينكره ماركسيو باقي ما تبقى من فلول الشيوعيين العرب.

والمؤكد أن هذا الذي قاله شمعون بيريز هو الجواب الشافي عن الأسئلة التي طُرحت والتي لاتزال تطرح إزاء تراجع الأوروبيين عن مواقفهم السابقة تجاه "المسألة السورية"، وإزاء كل هذا التخاذل الذي طرأ على موقف الولايات المتحدة، فسِرُّ هذه الدول كلها، وإنْ كان هناك بعض التفاوت بين دولة وأخرى، موجود في إسرائيل، ولذلك ومادامت إسرائيل مع بقاء بشار الأسد حتى تبقى حدودها في هضبة الجولان السورية المحتلة هادئة كما بقيت "على مدى سنوات طويلة"، فقد طرأت كل هذه التحولات على المواقف الأوروبية والأميركية.

إنه لا يمكن فهم كل هذا التشكيك الأميركي والغربي في المعارضة السورية واتهامها بأنها قد تحولت إلى "شراذم إرهابية"! لا يجوز تركها حتى لا تتحول سورية إلى أفغانستان أخرى وإلى عراق ثان إلا على أنه من قبيل صبِّ الحنطة في الطاحونة الإسرائيلية، فالإسرائيليون الذين باتوا يشعرون أنهم يفقدون وظيفتهم السابقة في هذه المنطقة الاستراتيجية الهامة، حيث بقوا يقولون للغرب إنهم خندقه المتقدم ومخفره الأمامي في وجه الاتحاد السوفياتي والمد الشيوعي، مع أنْ يُوصف المعارضون السوريون بهذا الوصف المجحف والظالم، ومع أن تسود القناعة لدى الغرب والشرق وكل مكان بأن بشار الأسد يواجه مجموعات إرهابية متطرفة!