وسط جدل سياسي رهيب، بدأ أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور المصري الجديد، التي تهيمن عليها القوى الإسلامية، التصويت على المسودة النهائية للدستور، في ظل غياب القوى المدنية وممثلي الكنيسة والنقابات العمالية، وعدد من القوى الوطنية المستقلة، ما يرسِّخ لهوية دستور إسلامي النزعة، وينفي فكرة التوافق من أساسها.

Ad

ولم يوقف غياب ممثلي القوى المدنية الجمعية التأسيسية عن عملها، فقد أعلن رئيسها المستشار حسام الغرياني اعتبار الأعضاء المتغيبين في حكم المستقيلين ليتم تصعيد 15 شخصية، معظمهم من جماعة «الإخوان المسلمين»، من القائمة الاحتياطية لسد الفراغ، ليصبح عدد الحاضرين جلسة التصويت 85 من أصل مئة، وبدا لافتا حضور نقيب الصحافيين ممدوح الولي رغم قرار مجلس نقابته بالانسحاب رسمياً من التأسيسية.

واتفق أعضاء التأسيسية في جلستهم مساء أمس الأول، التي امتدت حتى الساعات الأولى من فجر أمس برئاسة وكيل الجمعية رئيس حزب «الوسط» أبو العلا ماضي، على عدد من المواد التي أثارت الجدل في الأشهر القليلة الماضية، على رأسها إقرار مادة انتقالية بشأن العزل السياسي لرموز الحزب «الوطني» المنحل من ممارسة العمل السياسي لمدة 10 سنوات.

وحسمت «التأسيسية» مادة القضاء العسكري وأقرت الجمعية نصاً يقول: «لا يجوز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية إلا في الحالات التي يحددها القانون من الجرائم التي تضر القوات المسلحة»، وفي إشارة واضحة لأحكام سلطة رئيس الدولة على المؤسسة العسكرية، وافق الأعضاء على المادة 196، التي تنص على أن «وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعيَّن من بين ضباطها».

الأمر الذي أثار العديد من التخوفات بشأن إمكانية اختيار الرئيس لوزير دفاع موالٍ له، إلا أن عضو التأسيسية ماجد شبيطة قال لـ»الجريدة» إن هذا النص جاء لقطع الطريق على الدعوات التي تطالب بتعيين وزير للدفاع من المدنيين، لافتاً إلى أن رئيس الوزراء هو المكلف باختيار وزير الدفاع من ضباط الجيش.

وأضاف ماجد شبيطة أن الجلسة العامة للتصويت على مسودة الدستور التي بدأت أمس (الأربعاء) ستقوم بعد حسم التوصيات بتقديم المسودة النهائية إلى الرئيس صباح غد، تفادياً للحكم المتوقع إصداره من المحكمة الدستورية بعد غد بحل الجمعية، لافتاً إلى أنها ستعلن حل نفسها عند تسليمها نسخة الدستور للرئيس، وهو من سيقوم بإعلان موعد الاستفتاء الشعبي على الدستور.    

من جانبه، قال عضو مجلس إدارة نادي القضاة المستشار سامح السروجي لـ»الجريدة»: إن «القضاة ملتزمون بقرارات رفض الإعلان الكارثي الذي أصدره الرئيس، ومن بينها رفض الإشراف على استفتاء الدستور المعيب الذي لا يليق بمكانة مصر»، لافتاً إلى أن الجمعية التأسيسية فقدت شرطاً مهما وهو عدم التزامها بطرح المسودة النهائية للدستور لحوار مجتمعي قبل طرحه لاستفتاء شعبي.

وقال المتحدث الرسمي باسم حزب «الوفد» عبدالله المغازي، إن محاولة الجمعية التأسيسية تمرير الدستور يؤكد أن «الإخوان المسلمين» تهدف إلى حصر خيارات الشعب المصري بين إعلان يمنح الرئيس سلطات إلهية أو دستور إخواني ينتقص من الحريات.

مليونية التأييد

في غضون ذلك، بدأت القوى الإسلامية استعداداتها للمشاركة في مليونية تأييد الإعلان الدستوري غدا تحت شعار مليونية «الشرعية والشريعة»، وسط مخاوف من اشتباكات دموية، بين أنصار مرسي ومعارضيه المعتصمين في الميدان ذاته. وطالبت قيادات بالجماعة وحزبها «الحرية والعدالة»، القوى الثورية المعتصمة بميدان التحرير بسرعة الانسحاب وفض اعتصامها، لإفساح الطريق أمام التيارات والقوى الإسلامية المؤيدة للرئيس.

العصيان

إلى ذلك، أعلنت القوى المدنية على رأسها التيار الشعبي وحزب الدستور، أمس في مؤتمر صحافي تمسكها بالمشاركة في مليونية اليوم، واعتبرت القوى المدنية أسلوب الرئيس مرسي وجماعته في التعامل مع مطالب الشعب المصري بالتجاهل وقمع المتظاهرين يعبر عن «نظام مرتعش» لا يمتلك في مواجهة الغضب الجماهيري سوى العصا الأمنية والعناد.

وشددت القوى المدنية، في بيانها الصادر أمس، على أنها لن تترك ميدان التحرير تحت أي ظرف، وستظل على قرارها بالاعتصام في الميدان إلى حين إسقاط الإعلان الدستوري الاستبدادي، محملة مرسي مسؤولية أي مجزرة دموية في ميدان التحرير، معتبرة أن مرسي فقد «أبسط قواعد المسؤولية السياسية».

إلى ذلك، سادت حالة من الهدوء الحذر أمس ميداني التحرير وسيمون بوليفار، بعد الاشتباكات العنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين بعد أن قامت قوات الأمن ببناء جدار عازل وسط ميدان سيمون بوليفار، بينما انشغل المتظاهرون بالاستعداد لمليونية اليوم، وزار رئيس الحكومة هشام قنديل قوات الأمن المحيطة بميدان التحرير، مطالباً قوات الأمن بالتعامل بالقانون مع مثيري الشغب من مستخدمي الطوب والمولوتوف الذين يستهدفون قوات الأمن والمنشآت الحيوية.

مرسي: لست فرعوناً والنظام السابق سبب العنف

اتهم الرئيس المصري محمد مرسي رموز النظام السابق بوقوفهم خلف أحداث العنف التي يشهدها الشارع، نافيا عن نفسه أن يكون تحول إلى فرعون أو طاغية جديد، بسبب الإعلان الدستوري، الذي حصن قراراته من اي طعن.

وأكد مرسي، في مقابلة نشرتها أمس مجلة التايم الأميركية، والتي حمل غلاف عددها الأخير صورة لرئيس مصر تحت عنوان «أهم رجل في الشرق الأوسط»، حرصه على نقل السلطة كونه رئيسا منتخبا، ومسؤوليته الرئيسية هي الحفاظ على السفينة الوطنية خلال تلك الفترة الانتقالية.

وقال: «ذهبت للسجن، وكنت رئيس قسم في كلية الهندسة، والسبب انني كنت أدافع عن القضاء والقضاة، وأعرف تماما ما يعنيه الفصل بين السلطات»، مضيفاً: «هناك أغلبية ومعارضة، وأستطيع أن أرى ذلك واضحا، لكن لا وجود لأي انقسام في مصر».

البراءة لـ 7 شرطيين من قتل الثوار

قضت محكمة جنايات القاهرة ببراءة 3 ضباط و4 أمناء شرطة بقسم شرطة دار السلام، من تهمة قتل ثلاثة متظاهرين والشروع في قتل آخرين أمام القسم، أثناء أحداث 28 يناير 2011 المعروفة إعلامياً بـ»جمعة الغضب».

ووجهت المحكمة في حيثيات حكمها اللوم للجهات الأمنية، كونها تقاعست عن تقديم الأدلة والتحريات اللازمة للنيابة العامة للتحقق فيها، كما أكدت المحكمة أن شهود الإثبات الذين ناقشتهم المحكمة قالوا إنهم لم يشاهدوا أياً من الضباط المتهمين وهو يطلق النار على المتظاهرين، وأن معلوماتهم بشأن اتهام هؤلاء الضباط جاءت نقلاً عن متظاهرين آخرين.

وأشارت المحكمة أيضاً إلى أن أوراق القضية خلت من أي أعمال تحر أو جمع استدلالات بشأن الجرائم موضوع المحاكمة وتقديمهما لسلطة التحقيق وهي النيابة العامة، الأمر المنوط بالجهات الأمنية المختصة.