وجهة نظر: استحقاق لا يحتمل التسويف!
لا تحظى السياسة التجارية للدولة في أدبيات علم الاقتصاد باهتمام موازٍ لما تحظى به السياستان المالية والنقدية، على الرغم من الدور الكبير الذي تلعبه التجارة في التأثير على معدلات النشاط الاقتصادي المحلي، خاصة في الدول ذات معدلات الانكشاف التجاري العالية، أي الدول المفرطة في الاعتماد على الصادرات والواردات كما هو الحال في الكويت، وباقي دول منظومة مجلس التعاون الخليجي.ولعل تضاؤل الاهتمام بهذه السياسة يعود في جزء منه الى نشأة النظريات والمفاهيم الاقتصادية وتطورها في مجتمعات لا تشكل فيها التجارة الخارجية أهمية تعادل أهميتها في الدول عالية الانكشاف. كما أن الأدبيات الاقتصادية تركز عند تناولها للسياسة التجارية على الأدوات التقليدية لهذه السياسة مثل القيود الجمركية ونظم الحصص التجارية، بينما تتناول سعر الصرف باعتباره أداة تكميلية، وهذا يتنافى مع واقع الحال في البلدان المنكشفة تجاريا، اذ إن سياسة سعر الصرف تعد جوهرية وحاسمة في التأثير على الحالة الاقتصادية في هذه البلدان.
مسؤولية الدينار!ولست أبالغ عندما أقول إن جانباً كبيراً من المشكلات الاقتصادية التي عانتها الكويت وباتت تعانيها في السنوات الأخيرة يرجع إلى سياسة سعر صرف الدينار الكويتي، فهذه السياسة هي التي غذت وتغذي معدلات التضخم العالية في السوق المحلية، وتدفع باستمرار إلى مطالبات متكررة ومستحقة في زيادة الرواتب والأجور، وإلى مطالبات متكررة ومستحقة بالمزيد من الدعم السلعي، وتؤدي بالتالي إلى تضخم سريع في مخصصات الإنفاق الجاري والاستهلاكي في الميزانية العامة، وتزيد من معدل المخاطرة في اقتصاد ريعي تعتمد ايراداته اعتمادا كليا على مورد النفط الذي تتسم أسعاره بالتقلب الشديد. التضخم يعني تراجع القدرة الشرائية للدينار، وقد سجل التضخم في الكويت زيادة ملموسة ومطردة في السنوات الأخيرة، ولست هنا في معرض التعليق على ما تكشفه بيانات الإدارة المركزية للإحصاء من ارتفاع للأرقام القياسية لأسعار المستهلك على أساس شهري أو سنوي، فهذه الأرقام ليست دقيقة ولا تعكس التضخم الحقيقي الذي يعانيه المستهلك في الكويت، لأن سلة السلع والخدمات التي تقاس على أساسها هي سلة تقليدية متواضعة في مكوناتها، ولا تعكس السلة الفعلية للسلع والخدمات التي يحتاجها المستهلك في الكويت، وخاصة المواطن، كما لا تعكس بنود الأعباء الإنفاقية المتزايدة على الخدمات التعليمية والصحية الخاصة التي يلجأ اليها المواطن بسبب تراجع مستوى كفاءة الخدمات الحكومية في هذه القطاعات.تعديل مكونات السلةولكي أضع النقاط على الحروف، أكرر ما قلته سابقاً في خطاب مفتوح إلى محافظ البنك المركزي السابق الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح، وهو أن قرار الكويت بالتخلي عن سياسة ربط سعر صرف الدينار بالدولار الأميركي لمصلحة سلة العملات في مايو من عام 2007 كان خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح، ولكن إثقال سلة العملات الكويتية بالدولار الأميركي مازال يعرض الكويت لضغوط تضخمية حادة كلما واصل الدولار تراجعه الذي بدأه منذ عام 2003 في أسواق الصرف العالمية.فمع كل تراجع للدولار يضعف الدينار الكويتي أمام اليورو والإسترليني والين واليوان وعملات بلدان أخرى تشكل المصادر الرئيسية للواردات الكويتية، مما يؤدي الى ارتفاع معدل التضخم في أسعار الواردات من السلع الاستهلاكية والاستثمارية على حد سواء، وإلحاق الضرر بالمستهلك والمنتج أيضاً، الأمر الذي ينعدم معه استقرار الاقتصاد الوطني الذي يعد هدفا محوريا من أهداف أي سياسة اقتصادية سليمة. وبناء على هذه المعطيات تصبح اعادة النظر في مكونات السلة، أو ربما اعادة النظر في سياسة سعر الصرف برمتها، استحقاقاً لا يحتمل التسويف.أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت