حزن سعد الياسري

نشر في 01-04-2012
آخر تحديث 01-04-2012 | 00:01
 ناصر الظفيري في قصيدة مميزة للشاعر الأميركي تيد كوسر يختار من خلالها قارئا لقصائده:

"أولا. أريدها جميلة تسير بحذر فوق قصائدي

في لحظة عزلة ذات عصر

شعرها مبلل عند العنق من الاغتسال

ترتدي معطفا مطريا، قديما وقذرا، لعدم امتلاكها مالا لتنظيفه

ستنزع عنها نظارتيها وتتناول قصائدي ثم تعيد الكتاب الى الرف

تقول: بهذا المبلغ أستطيع أن أنظف معطفي المطري. وستفعل".

كان الشعر هو أحد المؤشرات الجميلة والتي ميزت الأيام الماضية في الكويت وسط هذا الهيجان الطائفي الذي يكاد يقتل كل جمال. ورغم أننا نضع أيدينا على قلوبنا ونحن لا نرى نهاية سعيدة للمشهد السياسي والديني والاجتماعي في الأفق القريب فإننا سنظل نراهن على قدرة المثقف التنويري والذي ينعته الديني بالليبرالي ، مستخدما اللفظ كشتيمة وليس كصفة، في التصدي لهذه الأزمات التي تفتك بالبلد.

في الأيام السابقة تحدث الشعر كثيرا وسط فعاليات متنوعة كتناول تجربة الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح في رابطة الأدباء والاحتفال بيوم الشعر العالمي وسط مشاركة مجموعة كبيرة من شعراء الكويت والوطن العربي وأخيرا أمسية الشاعر سعد الياسري التي حملت تجربة شاعر ذاق مرارة البحث عن مكان يكتب فيه الشعر يسميه وطنا.

سعد الياسري، مثله مثل كثير من شعراء المنافي القريبة والبعيدة، يبحث عن وطن يجد فيه مقهى آمنا يكتب فيه قصيدته قبل أن يبحث عن قارئة تشتري كتابه بمصروفها الشهري. سعد الياسري ولد عراقيا في القاهرة وعاش عراقيا في السويد وعاد سويديا من أصل عراقي الى الكويت، ورغم كل تلك التعقيدات التكوينية في المكان لم يتمكن سعد الياسري من العيش عراقيا في العراق. والذي لم تستطع الأمكنة المتناقضة والمنافي الأليفة والموحشة اقتلاعه منه هو الانسان الشاعر بكل ما يحمل من جمال داخلي وحامل المراثي لوطن أضاعته الفتن والحروب الطائفية.

لا يمثل الياسري حالة خاصة أو مثالا أوحدا للانسان العربي المهاجر، وليس هو وحده من اضطر الى انتحال شخصية لا يعرفها ليعبر بها الى المنفى مشكلا وجوده الانساني الذي يليق بآدميته، لكنه الشاعر الذي لا يمكنه الخروج من عباءة وطنه ولغته وقارئه الذي يستطيع تشكيله واختياره ليكون الإنسان بالمطلق.

بالنسبة لسعد الياسري لم تكن الغربة سوى ردة فعل لما يحدث في بلد تتنازعه الاثنيات وصراع الطوائف واعتماد الأسلوب العربي في الاختلاف الفكري وفي مجمل قصائده تنزف القصيدة جرح هذا الوطن الذي أثخن بالجراح حتى الاحتضار. ونحن نعلم أن القصيدة فقدت قارئها وأن الصوت الذي تحمله لا يتعدى أركان القاعة التي تلقى فيها ونعلم أن البحث عن قارئ حقيقي لها يقترب من بحث الشاعر الأميركي كوسر في القصيدة أعلاه. ورغم كل ذلك نصرخ بهؤلاء الذين لا يصغون جيدا الا لصراخهم بأن النسيج الاجتماعي للوطن قابل جدا للكسر ولا يحتاج إلى أكثر من شرارة صغيرة تافهة لينفجر فانتبهوا!

back to top